عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Monday, August 14, 2006

الكبير كبير

تقف فى الشارع المختنق بعوادم السيارات حتى تشعر وكأن روحك ستطلع إلى بارئها قريباً، فتتمنى لو كنت فى هولندا أو الصين وكنت سائق ماهر للدراجات حتى تصير إلى حركة ما بدلا من الوقوف تحت الشمس الحارقة متنفساً ذلك الهواء الفاسد.
يأتى ما يحمل شبهة الخلاص، "الركوبة" التى ستحملك إلى أقرب مكان إلى دارك، (وليس إلى دارك نفسه، من تظن نفسك)، حتى تتمكن من ركوب "ركوبة" أخرى تحملك إلى دارك (معاذ الله ان يتأتى هذا من أول مرة، أفق يا عبد الله).
تتوكل على الله، وتذهب فى سبيله، أقصد فى سبيلك"عشان نروح بقى".... إستغفر ربك يا غافل، ألم يخلق الإنسان فى كبد؟!
تظل قابعاً فى "الركوبة" التى لا تتحرك، وتعاندك الشمس فتشعر و كأنها غيرت من إاتجاهها من أجل " عيونك" أنت فقط، لكى تواجهك وتظل تحرق وجهك – أو قفاك- حتى تظن أنك لم تغير من وضعك السابق كثيراً. ويلفحك نفس الهواء الفاسد المعبأ بعوادم السيارات والآتى من النافذة، لتجد أنك صرت "شكماناً".
تستغفر الله، عسى أن يفرج همك، وتصبر.

شخص ما، هو المسؤل عن "الركوبة"- وليس السائق- يقف مجاوراً لبابها أو بعده أو قبله، يظل ينادى بصوت جهورى أجش، ينادى ينادى ينادى: "إكتوبر، إكتوبر، إكتوباار" ، محاولا استدرار عطف الباحثين عن "ركوبة"، ليحولوا وجهتهم من أى مكان الى "إكتوباااار" رحمة به وبحنجرته المسكينة.

"اللهم أخزيك يا شيطان" تحدث نفسك، وبأن الصبر جميل.
يبدأ الناس فى التوالى على الركوبة، وتظن أن الفرج قريب، وفعلا تبدأ الركوبة فى الهدير، منذرةٌ بالويل، أقصد بالتحرك على بركة الله، وتبدأ فعلا فى الحركة، الله أكبر إن النصر لقريب بإذن الله. ولكن سائق الركوبة والمسؤل عنها، والذى علمتنا الأيام وكثرة الركوبات، ان أسمه "التبّاع"، لهما من القلوب ما هو أرق من قلوب اليمام، وأرهف من قلوب الأطفال، يأبيا ألا تتحرك الركوبة بشكل "طبيعى" (وليس سريع) خوفاً على ركابها، وحرصاً على المشاة، فتظل تتحرك الهوينى، حتى تظن أن محركها على وشك التوقف عن الدوران من بطء الحركة. ولهذا حكمة أخرى يا سادة يا كرام، ألا وهى تمكين "التبّاع" من بدء رحلة تقبيل أيدى و أرجل منتظرى الركوبات ليتعطفوا ويتكرموا بركوب الركوبة التى تحملنا تحديداً لسبب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
تسير الركوبة ببطء شديد وهو متعلق بطرف بابها، منادياً نداءه الخالد، "إكتوبر، إكتوبر" ولا ينسى بالطبع أن يشير لكل شخص واقف أو جالس أو ماشي أو فاعل أى شىء كان، بإصبعه حتى يشعره بأنه المعنىّ بالنداء، وذلك تعظيماً لأهمية ذلك الشخص، مما سيجذبه بالتأكيد إلى ركوب ركوبتنا التى أعطته كامل الثقة بنفسه. "لاحول ولا قوة إلا بالله" هكذا تفكر متعجباً من حال الأخ "التبّاع"، و لا يصرفك عن التأمل فى أحوال هذا الإنسان، إلا "زُغد" من كوع الراكب بجوارك فى كتفك أو فى ذراعك أو حتى فى "خلقتك" وما المانع "ماهى الدنيا زحمة و كله بثوابه". تستمر الركوبة على الهوينى، ويزداد الطريق طولا على طول، وتجد نفسك على وشك أن تصرخ: " ما تشد شوية ياسطى بقى خلينا نروح بيوتنا".
ثم تتذكر أن رئتاك مملؤتان بالعادم و أنك لا تستطيع حتى التنفس بشكل سليم فناهيك عن الصراخ، فقط لتجد أحد الممرورين مثلك أو من "إتفقعت مرارته خلاص" ينوب عنك فى هذا الصراخ. وقبل أن تنظر له ممتناً مهنئاً على صحة رئتيه الجيده، تجد "الأسطى" يرد عليه بصوت محشرج من "الدخان" وتوابعه قائلاً: "يعنى أعملك إيه يعنى، أتير من فوق العربيات؟!" ثم يبدأ فى صب جام لعناته على القيادة ومن يقود و الشوارع والناس والمجتمع و مجلس الأمن.... إلخ حتى تنسى أن هناك من ناشده السرعة أصلا. وغالباً هى خطة محنكة من السائق حتى "يلهى" الركاب عن بطئه بتذكيرهم بأحوالهم وما آلوا إليه من"توهان.. توهان، توهان". طبعاً منذ ركبت وأنت الدم يصّاعد فى "نافوخك" ولكن من كثرة الغليان والغضب والحنق، تجد نفسك وقد وصلت إلى حالة من البلادة والامبالاة، حتى تكاد تضحك مما ترى. وفعلا "تسخسخ" من الضحك حين تسمع "التبّاع" يقول: "عد عاوس ماشيك؟"
ولمن لم يفهم ما قال، هو يقصد هل يريد أحداً أن ينزل عند "ماجيك لآند"، مدينة الملاهى الرسمية المجيدة البطولية، ذات التذكرة "النار والحار فى جتة أبوهم".
وبعد أن تبدأ المدينة الصماء فى إظهار معالمها، وتبدأ أنت فى إستشعار بعض من هواء نقى، ويحدوك الأمل بقرب الوصول إلى الدار، تبدأ نفس رحلة تقبيل الأيدى والأرجل من التبّاع، عند نزول الركاب كل عند محطته، وكل منهم "تاته تاته" هو يعنى وراه إيه، ده مروّح". وطبعاً انت لم يعد فيك "نَفَس" حتى تستشيط غضباً أو "تشخط" فى أى شخص، وتتبلد وتظل تنظر لهم بغباء مدلهم حتى تكاد تفوّت على نفسك محطة نزولك. "و إنا لله و إنا إليه رأجعون"

1 comment:

Anonymous said...

hi ana sara kol ili a2dar a2ol holik ma3lish 3ala il ma2sah ili enti fiyha de :)