عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Friday, January 2, 2009

العام الثامن و العشرون

بدأ عام جديد ... و مع بدايته لا أملك الا ان اتسائل ماذا سيجلب مع أيامه و أسابيعه و شهوره
د
كنت قد بدأت العام الذى توا مضى بتفاؤل و ورح مختلفة عما عهدت نفسى عليه ... و تمهل العام فى خطواته متلذذا باخبارى كم كنت مخطئة ولا أعى من الأمر شيئا .. و أنى كنت ساذجة .. و أنى لأخيبن ظنى بنفسى لو احسنت ظنى بأيام لا تملك الا ان تنفلت من بين أصابع ايدينا هاربة .. سارقة منا عمراً و أملاً و ربما روحاً كذلك...د
د
تلك هى وظيفة الأيام .. كما وظيفة محطات القطار .. هل تملك الا ان تمر مسرعة من أمام نافذتك اللهم الا محطة قدر لك ان تحل بها أو تنتهى اليها .. لا تملك الايام أيضا من أمرها شيئا سوى ان تمر مسرعة تاركة لك ذكريات و عبر و ربما بقايا من صور أو بقايا من حلم
د
مر العام الثامن و العشرون .. بأشخاصه و أماكنه و حوادثه ... حين أتامل ما مر بى خلاله لا أملك سوى أن اشكر ربى على انه "مر والسلام" .. و انى مازلت على قيد الحياة لم تقهرنى الحياة .. و انى مازلت معى أمى تحمل همومى و تدعو ان أرزق بأفراح .. ربما كسبت صديقة او اثنين .. ولكن دروس الأعوام الماضية علمتنى ألا أثق تماما في مسألة "كسب" الأشخاص .. قد يبدون فى البداية مكسب و يصيروا لأسوأ ما يمكن ان يعرفه المرء من خسارة .. و قد تسرقهم منك الأيام لمجرد إمعان التنكيل بك و إحكام الوحدة عليك ... تماما مثل اصدقاء الأعوام السابقة .. و غالبا مثل أصدقاء الأعوام التالية ان قدر لى من توالى الأعوام ... د
د
فى العام الثامن و العشرين أسوأ ما مر بى هو تيقنى من قدرة البشر على الكراهية .. على الكذب ... على القهر ... و رغم فكرتى المسبقة عن ذلك الا ان أمر البشر مازال يدهشنى .. و يرهقنى .. من أين يأتون بتلك القدرة على الكذب و الكراهية ... من أين يأتون بمبرراتهم .. و أسبابهم الملفقة و غاياتهم التى تبرر وسائلهم ... من أين لهم تلك القدرة على العيش فى صراع مع ما فطرنا الله عليه من خير ليؤذوا الآخرين أو يقهروهم ... و من أين لى بدواء يخلصنى من ناقوس الخطر الذى يدق فى رأسى عند نسج الكذب من حولى فى غفلة منى حتى يكشف لى الله الرحيم أمر الكاذبين .. و الأخطر .. من أين لى بدواء يخلصنى من ضمير لا يملك القدرة على الانتحار حتى أرتاح من عذابه بين هؤلاء ... و الأهم .. من أين لى بدواء يخلصنى من روح مشتاقة الى الأمان على أرض لا تملك حتى أمن من رقدوا فى باطنها من غدر من على سطحها ... د
د
فى العام الثامن و العشرين تمنيت الاختفاء ... لا أن أسافر ولا ان اهرب ... أن أختفى .. لئلا يجدنى أحد .. ولا أظن انه سيفتقدنى أحد .. فلماذا البقاء فى مكان لا تفتقد فيه أحد ولن يفتقدك فيه أحد؟!د
د
فى العام الثامن و العشرين ... لم يقتلنى الغضب مثلما وعدت نفسى العام الماضى .. سبق حزنى غضبى ... سبقه ضعفى و قلة حيلتى .. سبقه هوانى على الناس ... قتلنى الألم .. قتلنى أملى فى الأمان .. و رحت اتسائل ... لماذا نقترف كل ذلك الألم فى حق أنفسنا و بعضنا؟ و بأى حق؟ لماذا قد تتصور أنك تملك حق التلاعب بإنسان لمجرد انك تعلم انه لا يملك من يدفعك عن إيذائه .. و انه سيبدو ساذجا فى محاولاته الخرقاء الدفاع عن نفسه لانه قليل الحيلة؟ لماذا؟
د
لماذا نملك القدرة على التفنن فى إيذاء أنفسنا و بعضنا ولا نتجشم حتى عناء النظر لما تقترفه أيدينا من قتل للأحلام و الأرواح؟
د
فى العام الثامن و العشرين .. كرهت غياب أبى ... و الأسوأ انى كرهت استغلال مريضى النفس من البشر لذلك .. ليس لأنى بلا أب أغدو ضعيفة قليلة الحيلة .. قد أبدو لكم كذلك و لكن .. هل نسيتم أن الله لم و لن يغب؟! ربى الرحيم الذى أسبغ على سكينته و ملأ روحى و قلبى طمأنينة يوم أن مات أبى .. لن يمكنكم الله منى .. لن يغلبكم مهما بلغ ضعفى و قلة حيلتى ...أعرف ذلك و أوقنه .. ولكن تؤذينى محاولاتكم الكريهة لكسر ما تبقى من روحى .. أكره محاولاتكم المستمرة لتذكيرى أنى ضعيفة .. وحيدة ... قليلة الحيلة امام مكركم .. و تغفلون حقيقة أن الله معى .. شئتم أم أبيتم .. الله معى مهما حاولتم فكفوا عن إيذائى
د
فى العام الثامن و العشرين .. غلبنى يأسى من أمر الناس .. و أحاول حاليا مع العام الجديد قتل ما تبقى من أحلام تتضمن الناس ... تتضمن الصحبة .. تتلهف على الأمان ... عاركتنى الوحدة .. و انتصرت .. أثبتت لى أن الأمان بالناس محال ... و أثبتت لى أنى ان شئت الأمان فلأرغب عن الناس .. البعد عنهم غنيمة ... كم من المرات أنجانى منهم الله .. و أخاف ان اصررت على البحث عن الامان بينهم الا يغير الله ما بى حتى أغير من نفسى .. أحتمى بك يارب من شر ما خلقت
د
فى العام الثامن و العشرين .. تعلمت ألا أساوم على ما أريد لنفسى بأقل مما أريد ... لن يخسرن فى تلك المساومة سواى .. لا ينقصنى شىء حتى اتنازل ... لست ضعيفة حقا كما يتخيلون .. و لست يائسة حقا كما يتصورون .. تعلمت ألا أساوم على حقى فى أن أصل لما أتمناه و احقق ما أحلم به .. أو الموت محاولة ... لكن لا أتنازل
د
فى العام الثامن و العشرين ... تعلمت أن ليس معنى أن يملك المرء المال والمنصب والبنون و الصحة أن يكون سليم القلب .. هناك من يملكون كل ذلك و يملكون معه موات القلوب و سواد النفوس
د
فى العام الثامن و العشرين ... تعلمت أن الحب .... أكثر المشاعر ابتذالا و أرخصهم ثمنا .. بين أيدى موتى القلوب .. يزعمون الحب ولا يمكلون له روحا ترعاه او قلب يؤويه .. يزعمون الحب كما يزعمون الصلاح ... رياء و نفاق حتى أفقدوا الحب معناه و أصله ... ليس الحب ما يقال ولا ما يزعم ... و ليس كل الناس بقادر على ان يحب
د
فى العام الثامن والعشرين ... أعرف أنى مازلت حية أرزق .. مازلت أملك قدر كبير مما فطرنى الله عليه .. مازلت أملك قلبا حيا و روحا انسانية و عقلا ذو ضمير ... فقط لأنى مازلت أتألم
د
فى العام الثامن و العشرين ... قتلت غدرا .. و قتلت ألماً .. و لكنى مازلت املك بقايا "حلاوة روح" أدافع بها عن حقى فى الحياة كما أحلم .. مازلت صامدة رغم السكين المغروس فى الظهر .. و رغم دفء الحياة المتسلل مع دمى .. مازلت أحلم و ادافع عن حلمى .. مازلت أبحث عن نور فى قلب ... عن نور فى عقل ... عمن يحاول جاهدا التغاضى عن سكين مغروس فى ظهره ليواصل الصمود
د
و فى العام التاسع و العشرين ... أحمل الله فى قلبى و عقلى .. و ليشملنى الله برحمته و يغنينى حتى عن نفسى ... و ليلهمنى صوابا أحقق به حلمى ... أو ليهدينى خلاصاً ... كل أمرى بين يدى الله خير
د
فى العام التاسع و العشرين .. أدعوك ياربى ... أرجوك ياربى .. غفرانا و رحمة ... أسألك ياربى .. صبرا و غنىً و رزقا و هدىً .. لى و لكل من يبحث عن النور ... اهدنا نوراً ... و اكتب لنا خيراً و رضا ياربنا يا أرحم الراحمين
د
د