عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Monday, June 14, 2010

من دفتر امرأة عشوائية

د د 
"أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين و الشهور و الأيام و اللحظات الحلوة و المرة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟" * 
د د ----------- د د 
الدفتر الثلاثين: د في تمام الورقة الثلاثمئة و الخامسة و ستين من الدفتر الثلاثين، تقف المرأة العشوائية حائرة امام هذا السؤال؛ كيف تسلك في الدنيا؟
 

مادامت الصُدف أقدار و الأقدار محض صُدف .. أو هكذا تبدو ... مادامت المسلمات كذب و الإحتمالات مبهمة و الأكاذيب مؤكدة 
د 
كيف تسلك في الدنيا؟ 


إنها حتى لا تملك ان تسمي نفسها "إمرأة" حقا! لو فعلت لوصمت نفسها إلى الأبد 
  و لكن الأمر الأكيد انها لم تعد طفلة ايضاً .. فأين تذهب؟ أين المكان الوسط بين الـ"مرأة" و الـ"طفلة" الذي يمكنها اللجوء إليه؟

هل ثمة مكان يمكنها حقاً اللجوء إليه؟

تسترق نظرة إلى الدفاتر التسع و عشرين المكومة بجوار خزانتها .. مهملة متربة .. تسترجع عدد المرات التي قررت او حاولت التخلص منها .. لا يمكنها التذكر

أغلب الدفاتر يحمل صوراً .. اصفرّت و بهتت ألوانها كما اصفرت ورقات الدفاتر و بهت حبر الكلمات المنقوشة عليها د تشيح بنظرها بعيداً عن الدفاتر القديمة و تتأمل الصفحة البيضاء .. الأخيرة .. في الدفتر الثلاثين .

هل قلت البيضاء؟ أتراجع عن كلامي .. لم تحمل أي من صفحات دفاترها اللون الأبيض أبدا! ربما في الدفاتر الأولى .. لكن منذ بدأت تسجيل دفاترها بنفسها .. منذ ملكت القدرة على "الكلمة" .. لم تحمل ايها اللون الابيض
د جاءت صفحات تحمل ألوان زاهية تارة .. و تارة اخرى ألوان كابية .. و اخري قاتمة .. وربما امتدت أي هذه التنويعات اللونية على مدار صفحات ..

تلفت انتباهها الفكرة فتقوم لتبحث بين صفحات دفاترها على صفحة بيضاء .. تتردد قليلا .. تتراجع .. خوفاً من تأكدها بأن لا مكان للّون الأبيض في حياتها .. فلتبقى هكذا على ظنها بان هناك لون أبيض في صفحة ما في دفتر ما


تستدعي ذاكرتها صوراً عشوائية تقبع على صفحات دفاتر قديمة .. قد لا تتمكن من تحديد أي الدفاتر تلك التي تحفظ تلك الصور ولا لماذا طفت تلك الصور دون غيرها على سطح آخر صفحة في دفترها الثلاثون

هل لأنها تحرشت بالذاكرة اليوم تحديداً. ام ان الذاكرة هي من تتحرش بها؟
د "اهدأي بالاً يا ذاكرتي لن استسلم لتحرشات "عشوائية" المصدر .. كفاني عشوائية .. استحق اليوم هدنة .. حتى و إن كانت هي الأخرى عشوائية في وقت لا يسمح بهدنة .. و لكن استحقها .. فاتركيني لها"د

تقوم لتصنع فنجانا من القهوة .. تدرك ان الوقت تأخر .. تفكر :"لماذا اقترنت القهوة بالدخان دوماً؟ و هل يعني هذا ان علي أن أدخن؟!" تضحك لسذاجة الفكرة و تتصور نفسها بلفافة تبغ بين شفتيها يعميها الدخان فتسعل

تحاول التركيز على ألوان صفحات دفاترها .. طبعا تقصد ألوانها الزاهية .. المفرحة .. تركز على من/ما تسبب في تلوين تلك الصفحات بألوان قوس قزح .. على من حمّل تلك الصفحات رائحة الندى و البحر .. من زخرفها بنجوم ليلة صيفية رائقة رائعة ..
تتذكر من حمل إليها البهجة ملفوفة بشريط ذهبي .. او فضي .. من حمل إليها الفرحة مستترة خلف غلاف مزركش د يشاركها ذكرياتها.. من يعلم عنها جيدا انها تجلس في هذا الوقت تنتظر من يشاركها الذكرى و التذكر .. من يضيف بكلمات بسيطة لأولى صفحات دفترها الجديد

يأتي من تعلم عنهم أنهم لا يخلفون معها ميعادا .. تدعو الله ان يحفظهم .. بألوانهم التي يشرقون بها على حياتها .. كزهور دائمة لا تنتظر ربيعا او مطراً حتى تزهر

تُقبِل كلماتهم شكراً على تواجدهم و ان لم ترهم عيناها حتى حين ... يعتريها حنين .. تدمع قليلا فتخاف ان تعكر دموعها لون الصفحة الأولى من الدفتر الواحد و الثلاثين 

تتناسى سخافات اليوم الأخير .. تفكر في رحلتها القادمة .. تفكر في ماذا ستفعل غداً؟ و ماذا عن تلك الحفلة في وسط الأسبوع؟ و تلك المنتظرة يوم الجمعة؟ و متى ستلتقي صديقتها؟ و متى ستجري تلك المكالمة التليفونية الهامة المؤجلة منذ الأبد؟ يبدو ان عليها ان تنام الآن و لتترك التفكير للغد 

و بعشوائية معتادة .. تعاند قدرها العشوائي الذي كاد ان يفرض على يومها هذا لوناً كابيا دامعاً .. و تقرر أن تصير طفلة تلهو بأقلامها الملونة .. فتنثر قوس قزح على الصفحة الجديدة 

و تلصق صور أحبابها عليها .. عسى ان تتسرب إليهم بهجة الألوان التي لونوا بها دموعها فاستحالت ابتسامة .. عشوائية تبدو بين الدموع .. لكنها سعيدة

و قررت .. ان يبدأ الدفتر بالألوان .. قد تبدو للوهلة الأولى عشوائية .. و لكنها تحمل بهجة قوس قزح من خلف غيوم القدر د قررت .. أن تسلك في الدنيا .. بعشوائية .. كعشوائية الألوان .. و الغيوم .. و الأقدار د
د د
-------
* د.رضوى عاشور

No comments: