عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Wednesday, June 15, 2011

دروس العام الجديد

أجلس بداخل ركوبتي الزرقاء الصغيرة ..  أكاد أود لو أطير فوق الشوارع و الناس والزحام .. لا أريد أن أرى أحداً

تصحبني ركوبتي و موسيقاي المفضلة .. و تحلُّ أفكاري ضيفاً ثقيلا على تلك الصحبة البسيطة

تنساب الموسيقى مؤلمة مثيرة لمزيد من أشجان الفكر و القلب .. تنساب معها دموعي

أكرر على نفسي ما دار من مكالمات و مناقشات .. و اكرر ما أَظْلَمَ علي بهجة يومي التي كنت استحثها و استجديها من الزمن

أتذكر تلك المقولة: "هذه الأعمار المتعددة هي أيضاً خيبات أمل متعددة"* .. و أفكر .. إن كل عام يمر هو عمر مستقل بخيباته و انكساراته و خِذلانه

ربما يحدث خطأ في النظام هنا أو هناك .. في لحظة أو سواها .. تتسبب في إضفاء بعض النور على الأيام الكابية المتكررة .. و لكن ذلك ليس أكثر من "خطأ في النظام" سرعان ما يصل به تقرير فيتصحح الخطأ و تسير الأمور على النهج المعتاد من تكرار لخيبات الأمل و الخِذلان .. فتستقر الأمور .. و يستقر النظام .. و تزداد النفس اختلالاً

تنساب دموعي بانتظام و هدوء فأرى الصورة أوضح .. هكذا الحال في كل مرة .. و لكن الخطأ هذه المرة في الصورة التي أراها

أحاول نفضها عن رأسي و التوقف عن البكاء .. بلا نجاح حقيقي .. و لماذا عساي أنجح في هذا الأمر دون غيره مما فشلت فيه و أفشل فيه على الدوام؟!

تتكرر الأحداث ثانية في رأسي .. و تدور الكلمات في فضاء الركوبة الصغيرة رنانة .. مدوّية .. ترجِّع نفسها كصدى صوتٍ يتزايد و يتضخم ولا يذوب في الهواء كما ينبغي له

أنظر في الساعة و أراها تقارب منتصف الليل ... أفكر .. هل قضيت أبداً تلك الساعات وحدي مثل اليوم؟! .. فيرد عقلي علي أنه لابد لكل شيء من مرة أولى .. و لابد أن تعتادي الأمر من الآن فصاعداً .. كل عمر/عام جديد ستمر عليك تلك الساعات و انت وحيدة

أمسك بهاتفي لأفتحه .. أتذكر آخر مكالمة تلقيتها عليه .. أفكر .. لماذا أفتحه؟ لماذا أعود للمنزل؟ لماذا عدت من زرقتي الأثيرة؟ لماذا وُلدت؟

أنا على يقين أني حية .. لا يمكن لكل هذا الألم و الخِذلان أن يصيب الأموات .. تلك حقيقة أثبتت نفسها منذ أعمار كثيرة .. و لكن هل تجوز الحياة في فراغ؟!

أتذكر محاولاتي المستميتة طوال الأعمار الماضية لملىء ذلك الفراغ بحيوات أخرى .. أتذكر سعيي الدؤوب لرسم البسمة على وجه هذا .. و إسعاد قلب تلك .. و إضفاء بهجة بسيطة على يوم هذه .. بدون مقابل .. حقاً بدون مقابل!

أسعد لرؤياهم سعداء .. أسعد  جداً حين أرسم بسمة على وجه أحدهم ..  أسعد حين أقايض الزمن بمجهودي و فكري في مقابل سويعات من بهجة و فرح .. أسعد حين أجدني قد نجحت في تجارتي و حققت الربح المنشود

و لكن .. أليس هناك من تجار غيري يقايضون الزمن بـ "شيء" ما لأجلي؟

تصدمني تلك الفكرة فيرتج علي كياني ..

تتضاعف الوحدة و يتسع الفراغ فيشمل الكون كله .. أسقط في هاوية، أعمق من المعتاد، من خيبة الأمل ...

يتضح درس العام الجديد أمامي

"لا تأتي خيبة الأمل فقط من أن يخذل الزمان توقعاتك .. قد يخذلك الزمان من حيث لا تتوقعي"

أرغب في أن أظل أدور بركوبتي بلا نهاية .. و لكن الفكرة تذكرني بشقي الرحا اللذان يدوران على رأسي فأتراجع

تذكرني الفكرة بالدوائر المفرغة التي تؤدي لنفس النهايات مهما اختلفت البدايات .. فأتضائل

تضاؤلي يذكرني بحجمي الحقيقي .. ينبّهني له .. أصرخ في نفسي " ولكني لم أظن في نفسي ما هو أحسن!! لم أبنِ أية توقعات!! لم أطلب أي شيء!!! لم أنتظر مقابلاً يوماً من أحد ولا من شيء!! أيها الخذلان أنا لم أعط لتوقعاتي سقفاً، بل قتلتها و وأدتها و عشت بلاها .. ماذا تريد مني؟!!!"

تجاور كل من الزمان، و الخذلان و الفراغ و الوحدة .. كزبانية جحيم ... حدّقوا فيّ بوجوه بلا ملامح .. بل متغيرة الملامح .. تحمل كل ثانية ملامح مختلفة لشخص ما .. شيء ما .. مر بأعماري ليحولها لخيبات أمل متكررة .. و ابتسموا بشماتة و ظفر

فازداد تضاؤلي .. و انكمشت تحت دموعي .. و صمتّ 
_______

أحاول تجاوز تضاؤلي الرابض أمام عيني منذ الليلة الماضية ..  أحاول ان أسمو فوقه

أفكر: "اليوم يوم جديد .. بداية عمر جديد .. لن أبني له توقعات .. و لن انتظر منه شيئا ما .. ولا من أحد"

أتجاوز حادثات الأمس و استعد للخروج منها و من أفكاري

تتعقد الاحداث .. و تتطاير الأفكار كالرصاص .. فتغتال حتى الصبر

أظل ادور في دوائري المفرغة .. تدور بي بلا رحمة .. ما بين شوارع .. و وجوه غريبة .. رغبة في البكاء .. ذكريات تستدعى لسطح العقل فتنكأ جروحاً قديمة .. كما لو أن الحديثة لا تكفي و تزيد!

ما يقرب من يوم و أنا أدور في تلك الدوائر .. أفقد توازني تماماً .. و أفقد معه الاتجاه

فأجهش في بكاء حار .. و أفكر .. هل لن يكون لي من رفيق  سوى ركوبتي و شارع قاس جَهِم و أفكاري؟

لبئس تلك الرفقة!! ...

إنضم النشيج لهم ... فغامت الرؤية أمامي تماماً .. و غابت المرئيات .. و بدا الطيران من فوق حاجز الطريق السريع كفكرة ظريفة جدا .. لولا أنها لتزعج بعض الغافلين .. او قد تذكر "بعضهم" بي .. لنفذتها فورا

و لكني آثرت راحتهم .. و انضممت لدائرة الرفقاء .. الخذلان و الفراغ و الزمان و البكاء و الوحدة

و نِمت لا ألوي على حلم

---
* محمد المنسي قنديل

Tuesday, June 7, 2011

الإنتظار ... مرة أخرى





أن تنتظر وقتاً محدداً لتبدأ فيه الكتابة ... بعد أن تنهي هذه المسألة او تلك .. تلك المكالمة او تلك

ان تنتظر لحظة إلهام .. وقت فراغ .. او حتى مجرد لحظات من هدوء لتبدأ رسم تلك اللوحة

أن تنتظر بداية الأسبوع .. الشهر .. او حتى غداً لكي تبدأ مشروع ما .. او حتى حمية غذائية

أن تنتظر نقطة محددة من البعد الرابع لكي تتحقق فيتحقق معها هدف ما او حلم ما

يعني ان تنتظر طويلاً جداً

حتى و إن دام انتظارك لحظات في عمر الزمن ... 

قم الآن و انهض .. اسع وراء حلمك .. وراء الكلمة .. وراء الخط و اللون .. لا تنتظر 

فقد تضيع منك الكلمة .. او الفكرة .. قد تنسى ما كنت تود ان تقول .. قد تضيع منك الصورة التي تود رسمها إلى الأبد .. او قد ترسمها بعد فوات آوان اهدائها لمن يقدرها

فهذا ما يحدث لي كل مرة أنتظر فيها تلك اللحظة المناسبة .. دوماً ما تضيع مني الفكرة .. و الكلمة .. و حتى الحلم

إلا أنت.....

فبرغم طول انتظاري لك... مازلت لم أفقد صورتك ... مازلت لم أنس طيف ملامحك التي أظل ارسمها و أدققها و احفرها في باطن عقلي .. فتزداد صورتك اتضاحاً مع طول الانتظار!

ومازلت أنتظرك...

لو تعرف انك الرجل الأوحد على الأرض - او ربما في السماء - الذي أحلم بيوم أضع عمري بين يديه

و ارسم ملامحي في عينيه .. و أنصهر و انسكب بين خطوط كفيه

لو تعرف انك وحدك تملك مفاتيحي .. و أسراري .. و ان كل من مروا بحياتي لم يصلوا حتى لكونهم اشباح ظلك

لو تعرف اني انتظرك وحدك دون سواك....

لما أطلت انتظاري.....