عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Friday, November 27, 2015

وبعدين؟!!

وانا كل ما هاحلم بيك، هاتقلب عشان اتأكد ان كان ده حلم ولا حقيقة؟!

دي مش طريقة! 

Thursday, October 22, 2015

ملل

فيه حاجات كتير تتعمل.. شغل وخروجات وزيارات وكلام وناس.. بس مش عاوزة أعمل ولا حاجة منهم
زي ما اكون طاقتي خلصت.. مافيش همّة أعمل ولا أي حاجة، ولا حماسي المعتاد لخروجة باحبها زي خروجة الأوبرا.. ولا حتى متحمسة أقرا رغم اني فاتحة كتابين مختلفين ما قريتش غير كام صفحة في كل واحد.. وبقالي أسابيع على كده.. ما فيش حماس خالص لأي حاجة.

مانفسيش أشوف حد ولا عاوزة أكلم حد.. والأكيد اني ما باشتغلش.. باعمل شوية حاجات هبلة كده، لكن ده مش شغل! مش ده اللي يخليني أخلص اللي ورايا.

ما فيش روح.. 
الناس مكررة وسخيفة.. يا إما حزاني ومكروبين.. وما فيش طاقة تستوعب اي من الحالتين
تتنيح مستمر في الفيسبوك.. بدون أي هدف ولا أي استفادة.. 
شعور مستمر ودائم بالارهاق.. ومهما انام مش باحس بالراحة.. 

ملل، على احساس بلا جدوى أي شيء، على أوضاع مخيفة في كل حاجة حوالين الواحد.. شعور بالتهديد وان ضهرك للحيطة طول الوقت، مخليني طول الوقت عايزة أهرب، من إيه ولفين ولا اعرف.. بس عايزة أهرب. 

وفي نفس الوقت مش حاسة ان ناقصني حاجة.. ما فيش حاجة أقدر احط ايدي عليها واقول لو حصلت او جت، هابقى أحسن.. اه نفسي مرتبي يكفي الشهر كله، واقدر أسد اللي ورايا واعمل كل اللي نفسي فيه من غير ما اقلق على "هاكمل باقي الشهر ازاي" او "هاسيب ايه عشان اعمل ايه".. لكن مش حاسة ان ناقصني حاجة برضه.

زهقانة وماينفعش اقول اني زهقانة.. مش وظيفة حد ولا حاجة انها تسليني.. مش مطلوب من الدنيا انها تسليني.. والمفترض ان عندي اللي يشغلني.. بس مش قادرة ولا لاقية اللي يخليني أقاوم شعور الزهق والملل.

زهقانة والناس فيها اللي مكفيها.. أشوف حالهم أقول الحمدلله انا برضه في نعمة - وانا فعلا في نعمة - بس طيب اعمل ايه في روحي؟ 

مش حاسة اني وحيدة، بالعكس، كل حبايبي حواليا.. بس حالهم ما يفرقش عن حالي.. وكمان ماعنديش طاقة لأي حد ولأي شكوى ولأي غُلب.. خليني ساكتة وخليهم ساكتين أحسن.

افرجها علينا جميعا يا رب.. وفرج كربنا..  


Monday, October 12, 2015

من هنا وهناك

مؤخرًا رجعت أتعلم فرنساوي تاني.. انا فضلت أتعلمه 5 سنين في المدرسة، ولكن عمري ما عرفت أتكلمه زي الانجليزي ولا حبيته خالص وكنت باتعامل معاه على انه هم وهاينزاح لما الامتحان يخلص.

كنت باجيب درجات نهائية فيه، او بالكتير انقص نمرة او اتنين. ورغم حبي للغات وشطارتي في الانجليزي (من غير دروس ولا كورسات) وفي العربي (بعد دروس مع حد بيفهم.. الله يرحمه حيا كان أو ميتا) إلا ان الفرنساوي ده ما نزليش من زور ابدا! 

ماكنتش باعرف أعوج لساني عشان أنطق كل الحروف الملخفنة دي اللي محتاجة دلع عشان تتنطق، وإشي تنطقه وانت مخنف، وإشي وانت مدور شفايفك.. دوشة كبيرة يا عم الحاج واحنا اتعودنا على الانجليزي "السِلِس الشيعبي" ده! 

حط فوق مصيبة الدلع اللي عمري ما عرفت بيتجاب منين، ان بدأنا نتعلمه في أولى اعدادي على ايد راهبة، سيستر مارسيل.

أهو الفرنساوي وتصريفاته السبعتلاف ونطقه المايص وتدوير البق والآكسون والهري ده كله كوم، والست دي - الله يمسيها بالخير - كوم تاني خالص!

صوتها في العادي كان منخفض جدا، بالكاد تميز هي بتقول ايه. لكن لو فتحت في الصريخ، يا محمدي! طبعا على أيامي احنا كنا جيل منحل.. اصلنا كان ممكن نتكلم سوا لما السيستر تخرج من الفصل دقايق مثلا ولا حاجة، ودي كانت أكتر حاجة بتطير عقلها وتعصبها جدا.. جدا! طبعا، ماهي دي قمة الانحلال.. يعني ايه نقعد نتكلم في الفصل لو فضي ثواني؟! مسخرة!

كانت ترجع تسألنا بمنتهى الهدوء المرعب، وهي مثبتة عينيها علينا واحدة واحدة:

"مين الخروفة اللي اتكلمت وانا برة؟!" 

اه، خروفة.. دي كانت شتمتها المشهورة.. 

وكل ده كوم، ولما تسمع واحدة فينا بتنطق غلط كوم تاني خالص!! كانت بتجيلها نوبات صريخ وهيستريا غير طبيعية لمجرد اننا نطقنا غلط.. ماعرفش مين أو ايه اللي أوعز لها ان الصريخ هايخلينا ننطق صح!

وقد كان.. الست درست لنا سنتين، أول سنتين في تعاملنا مع لغة جديدة، طلعنا منهم كارهين ام الفرنساوي على يومه الاسود!

وبعدها جالنا مدرس طيب وغلبان كده، وكان بيتكلم فرنساوي احسن من الفرنساويين شخصيًا.. بس كان بلا شخصية خالص فماغيرش من موقفنا -أو على الاقل موقفي أنا- شيء تجاه اللغة المسكينة دي.. وفضلت أنجح في الامتحان لكن بدون لغة... وعشت كل الوقت ده أفهم الفرنساوي مكتوب او منطوق، لكن انا شخصيا لا أكتبه ولا انطقه اطلاقاً... وكده كده ما احتجتوش تاني إلا في لحظات نادرة جدا، زي اني اسمع اغنية فرنساوي تشد انتباهي فالقط لي منها كام كلمة كده.. اتفرج على فيلم فرنساوي فمابقاش مقريفة من اللغة زي الأفلام الكوري او الياباني مثلا، لأني باحسها مألوفة.. أكتر من كده مافيش.

لما بدأت من تلات أيام بالظبط في كورس تعلم فرنساوي أونلاين كانت مفاجأة رهيبة بالنسبة لي اني "باعرف فرنساوي"
اكتشفت اني لسه فاكرة قواعد كتير.. جدا! ومعاني كلمات كتير جدا.. رغم ان الكلام ده حصل من 24 سنة على الاقل!!

إزاي قدرت سيستر مارسيل توصلّنا معلومات وتحفظنا معاني كلمات في وسط كل العصبية والصريخ ده، ماعنديش اي فكرة.. بس قدرت تعمل كده!

إزاي اصلا انا فاكرة الحاجات دي وانا اللي لو حد قاطعني في وسط كلامي بانسى انا كنت باقول ايه وليه.. برضه ماعنديش فكرة!

وعليه، من مكاني هذا، وبعد مرور كل الوقت ده، وبرغم كل التوتر والتشنج اللي عيشتنا فيه، انا باقول لسيستر مارسيل: شكرًا!

شكرا إنك كنتِ مصرّة تعلمينا وتعلمينا صح مش كروَتة.. يمكن طريقتك ما كانتش أفضل طريقة، ويمكن لو كنتِ غيرتيها كنت اتعلمت اكتر من كده واستفدت من معلوماتك وعلمك اكتر من كده.. لكن برضه كتر خيرك على تعبك معانا.. جه -لمفاجأتي- بفايدة!

*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#

النهاردة لقيت واحد كاتب بوست على الفيسبوك انه كان ماشي في جنازة وسمع واحدة، ماشية في الجنازة برضه، بتقول لصاحبتها عن شخص ما:

"ده انسان فاشل.. تصدقي انه عنده تلاتين سنة وماعندوش عربية؟!"

طبعا التعليقات نزلت شتيمة في البنت.. وانا دعيت لها ان ربنا يهديها ويهدينا لأني اعتبرتها فاقدة الأهلية اصلا ماينفعش الواحد ياخد على كلامها.

لكن الصورة اللي نطت في دماغي فورا بمجرد ما قريت الجملة دي؛ أبويا.

أبويا عاش ومات - 61 سنة - وماعندوش عربية! كان ممنوع من السواقة عشان مرضه، وهو كان ملتزم جدا بتعليمات الدكاترة.. وفضل طول الوقت يحلم بعربية لكن ما يقدرش يسوقها.. ولما فاض بيه وجاب عربية وسواق، السواق، الله يبارك له، سرقه!
فمشاه وباع العربية. 

فضل مقضيها مواصلات وتاكسيات لحد ما المرض تمكن منه وبطل يخرج خالص لحد وفاته.

بعيدا عن ان العربية ما بتحددش نجاح شخص في حياته من عدمه.. مافيش اي ممتلكات ممكن تحدد ده إلا لو بنتكلم عن مستوى مالي فقط.. لكن الغريب اني من ساعة ما بقى عندي عربية وانا كل فترة كده تيجي في بالي صورة ابويا راكب جنبي العربية.

لما باشوف راجل كبير تحديدا بيحاول يعدي الطريق، وتحديدا طرق 6 اكتوبر اللي الناس بتعتبرها طرق سريعة ماعرفش ليه، ومش عارف يعدي، فورا باشوفه أبويا! واقعد أفكر: 
هو احنا لو ماكناش جبنا عربية كان هايعمل ايه في الطريق لو كان بصحته نوعا وقادر يروح وييجي؟ 
طيب كان هيرضى يركب معايا؟ طيب كان هايبقى خايف عليا برضه وانا سايقة زي ماما كده؟

والافكار دي توديني لفكرة تانية أهم:

طيب مش كان يعيش شوية لحد ما اقدر أوديه وأجيبه وأفسحه شوية وينبسط ان بقى عندنا عربية بسواق مش هايسرقه ومش هايقوله لأ؟ 
وانا كنت هابقى كويسة معاه ولا كنت هاتعصب عليه لو طلب أوديه مشوار؟ ما هو انا مش باتعصب على ماما لما بتطلب نروح مكان سوا.. كنت هاتعصب عليه ليه يعني!! وآه، كان هايركب جنبي ومش هايخاف من سواقتي.. كان بيثق فيا! 
ويا حلاوتنا بقى لما نطلع سوا احنا التلاتة اسكندرية ونقعد نلف.. كنت هاوديه كل الاماكن اللي بيحبها ويقعد يحكي لي ذكرياته فيها.. وكنت هاوديه اسكندرية في الشتا بقى.. كان بيحب اسكندرية في الشتا اوي ماعرفش ليه.. يمكن لو كنا رحناها سوا وانا كبيرة كنت هاحبها أكتر.. 

الله يرحمك يا بابا.. كان نفسي تكون عايش دلوقتي وكنت ريحتك شوية وحققت لك شوية حاجات نفسك فيها رغم صغرها وسهولتها لكن ماقدرتش تحققها لظروف كتير.. سامحني يا حبيبي، بس انت اللي استعجلت! 

وعموما، أكيد انت دلوقتي مبسوط أكتر من اي حاجة انا كنت هاعملهالك.. ربنا يجمعني بيك في ظله... 

Thursday, October 8, 2015

استبصار أم هروب؟


أعتقد اني من ساعة ما تكون لي شوية وعي، وانا بنسبة كبيرة عارفة انا عاوزة ايه.. وللدقة، عارفة انا "مش عاوزة" ايه.. 
بنسبة كبيرة عارفة انا اقدر على ايه كحد أدنى على الاقل.. واوقات بافاجيء نفسي قبل اللي حواليا بحاجة زيادة عن اللي تصورت انا و/أو هم اني اقدر عليه.. وده بقى سواء في الشغل او في الحياة الشخصية.. وأظن ان ده اللي بيزعل/بيخوف ناس كتير مني.. الاستبصار.

فكرة انك تبقى رجليك على الارض (حتى لو راسك بين النجوم طول الوقت، وانت صاحي قبل ما تكون نايم.. يعني أحلامك ما بتنتهيش) دي، اتضح انها مش سهلة.. مش سهلة في استيعابها ولا سهلة في التعامل معاها.. وكل ما بتزيد، كل ما بيزيد مستوى الصعوبة.

لأنك ببساطة، بتحدد الخط اللي انت ماشي عليه أكتر.. وبتمسك فيه أكتر.. وحتى لو غيرته بعدها شوية، خطك الجديد بتبقى ماسك فيه بنفس الطريقة! 

كتير ده بيبان عناد وتكبر، في حين انه تطبيق حرفي لـ "رحم الله امرء عرف قدر نفسه".. مع شوية قدرة على اني اقول الكلام ده بصوت عالي، والتزم بيه بدرجة كبيرة

الأفضل اني ما اتسببش في الأذى لحد.. الأفضل اني ماعملش حاجة مش متأكدة اني اقدر أعملها بنسبة كبيرة كويس، خصوصا لو حد غيري معتمد عليها او نتايجها هاتأثر عليه.

لما قررت اتعلم غطس وانا كنت باخاف من البحر وباغرق فيه زي الطوبة، كانت مفاجأة للجميع وأولهم انا!! بتهببي ايه وانتي لو رجلك ما طالتش الأرض بتترعبي وتغرقي نفسك؟! 
بس حماسي لاكتشاف العالم ده ساعدني اني اتجاوز المخاوف دي.. والأهم، ان مافيش حد هيتأثر من حاجة زي دي! مش هاسبب أذى لحد، غير نفسي لو حصل.. وده بيطمني بدرجة كبيرة فباقدر أجرب.. 

لما بتتعرض عليا مسئولية شغل، باشوف نتيجة المسئولية دي هاتأثر على مين؟ طيب هاتأثر على ايه، حقوق الناس مثلا وتأدية أمانة؟ لو مش هاقدر ابقى قدها بارفضها تماما وكلية.. لكن لو مجرد حاجة جديدة مافيهاش حقوق وأمانات، باقدر اشجع نفسي اني اجربها على اساس التعليم، وان مافيش حد هاينضرّ.. وصديق ليا مرة قالي: "طالما مافيش حد هايموت بسببك، يبقى كله هايعدي".. وكلامه لاقى صدى في نفسي وبافكر نفسي بيه كل شوية.. 

ده على مستوى الشغل ومسئولياته.. وبشكل عام، وبعد 11 سنة شغل وحرقة دم، تأكدت بدرجة كبيرة ان الشغل ده المفروض يكون آخر اهتمام الواحد.. من غير تقصير لأنه أمانة هانتحاسب عليها، وعشان سمعتك كشخص بيشتغل.. لكن طول ما انت بتشتغل في شركات ناس، ماتحرقش روحك عليه ولا عشانه.. بجد الشغل بيروح وييجي والفلوس بتروح وتيجي وحاجات ولا ليها أي لازمة انها تاخد من وقتك ومجهودك اكتر مما تستحق! لو مشروعك، اه، اتعب له واتعب عليه لحد ما ينجح ويكبر.. غير كده مالوش معنى غير دوران في ساقية.. كده كده هاتدور وكده كده هاتجيب مياة.. انك تهري روحك عشان تدورها مش هايخليها تجيب مياة أكتر ولا اسرع! فبالراحة وحبة حبة يا ملواني.. 

أما على المستوى الشخصي، فالموضوع غير كده خالص!

انك ترتبط بانسان تاني وانت عارف انت عاوز ايه ومش عاوز ايه، دي مصيبة!! بيبدأ يتصور انك بتتنطط عليه، وانك مخطط ودارس وكأنك بتتآمر عليه، فيبدأ هو يلوّش بقى ويعمل فيها كرومبو عشان "يكشف" مؤامرتك دي! خصوصا لو هو ماعندوش ثقة في نفسه، او اللي عاوزينه او مش عاوزينه مش زي بعضكم... 

انك تلاقي حد بيقولك مبررات خايبة ولا بيألف عليك حكاية كذب وانت تبقى كاشفه، وهو يحس انك كاشفه، يبتدي يقلب عليك ويطلع فيك القطط الفاطسة.. لأن ببساطة ماحدش بيحب يبقى مفقوس!

انك تقول لحد ان اللي بيعمله ده غلط وهايتسبب في مشاكل كذا وكيت، وتحاول تنصحه او حتى تقترح عليه اقتراحات أفضل.. يروح برضه قالب عليك وتتحول قدامه لشيطان رجيم.. لأن ببساطة ما حدش بيحب يبان غلطان ولا ان فيه حد بيفكر أحسن منه! في الشغل او في الحياة وأي كانت علاقتك بالشخص ده ايه.. الا من رحم ربي ودول قِلة نادرة فعلا!

انك تعترف بغلطك وتعتذر عنه او تتحمل مسئوليته، وانك تقبل ان حد يقولك انت غلطت في كذا فتقوله ايوة معاك حق، فيه ناس بتشوفها مؤامرة برضه من ناحيتك وتنطيط.. انت هاتبقشش عليا بكرم أخلاقك ولا ايه؟! ولا بتعمل كده عشان توقعه هو في الغلط لما يآمن لك!  ويبتدي يعمل فيها كرومبو - برضه - عشان يكشف مؤامرتك ويفضح نواياك الشريرة.

الناس ما بين معذورين وما بين مجانين.. المجانين، سيبهم في حالهم دول مافيش أمل فيهم.. والمعذورين، اللي من كتر اللي شافوه من زبالة الناس، ما بقوش يصدقوا ان فيه حد كده، وانه بالضرورة بيمثل وبيرسم علينا الدور.. دول مصيرهم يفهموا.. وان مافهموش ماتبكيش عليهم.. 

لكن احقاقا للحق، أوقات كتير باقول الغباوة حلوة! ليه يبقى الواحد فاهم نفسه، وعارف حدود قدراته؟ ليه انا مش عايمة في مية البطيخ، وهارية نفسي تفكير طول الوقت عشان ما اتسببش في أذى لحد غيري على قد ما اقدر، وان اتسببت بغشومية او سوء تقدير بافضل نازلة تأنيب في نفسي العمر كله ولو على كلمة، ليه "شايفة" بزيادة كده؟! 

ليه ما بافوتش الغلط؟ واقول "مش مهم، هو انا يعني اللي هاعدل المايلة" ومتصورة ان الكلام والنقاش والتوضيح ممكن فعلا يصلحوا الدنيا، خصوصا وماحدش بيقبل لا الكلام ولا النقاش ولا التوضيح؟ 

 وساعات أفكر، هو ده فعلا استبصار، ولا انا باهرب من المسئولية؟ 

يعني مثلا في موضوع الأطفال.. انا ما باحبش الاطفال! باحترمهم، لكن مش باحبهم.. ولا باستوعب فكرة ان حياتي تتشقلب عشان عايزة أخلف او خلفت!! ليه عشان ايه يعني؟! ايه وجه الاستفادة اللي هاستفيدها لو خلفت؟ وايه الفائدة اللي هاتعود على العالم من خلفتي؟! لحد دلوقتي مش شايفة لها لازمة ولا فائدة ومقتنعة بده جدا.. ده بعيدا عن فكرة ان خلفة وتربية طفل دي مصيبة لوحدها!! دانا بالعافية باكتشف نفسي وباربيها تبقى "أحسن".. اقوم أروح مخلفة كائن لا حول له ولا قوة، ومعتمد عليا كلية، وادلدق عليه كل مشاكلي وعفاريتي؟!! طيب هو ذنبه ايه؟؟ 

ده بقى ايه؟ هو ادراك لحجمي وقدراتي ولا هروب من المسئولية دي؟ 

هل ده كويس ولا المفروض الواحد ما يفكرش ويرمي من ورا ضهره تماما واللي تجيبه الدنيا يمشي فيه وخلاص؟! 

ده استبصار فعلا ولا معاندة؟ خوف ولا تكبر؟ احساس بالمسئولية ولا هروب منها؟ 

حقيقي مش عارفة.. 

كل اللي عارفاه اني باطلب من ربنا يرزقني البصيرة دايما.. واني اشوف عيوبي على حقيقتها وأقدر اصلحها او ابطلها.. وان بصيرتي تبقى على نفسي اكتر من اي حد تاني وما اتسببش في الأذى لحد لو كلامي هيؤذيه، ويلهمني اني اقول الصح والحق بالطريقة الصح لو هاينتفع بيه ولو بني آدم واحد.. والأهم ينجيني من نفسي ومن غرورها.. وينجيني من شرور ما كسبت وما اكتسبت..   



Friday, September 18, 2015

في انتظار الشمس


"Let someone love you just the way you are – as flawed as you might be, as unattractive as you sometimes feel, and as unaccomplished as you think you are. To believe that you must hide all the parts of you that are broken, out of fear that someone else is incapable of loving what is less than perfect, is to believe that sunlight is incapable of entering a broken window and illuminating a dark room."  
- Marc Hack



أليس هذا بصحيح؟! ألست تنتظرين الشمس؟

هل تشككين بقدرة الشمس على نشر النور؟ وهل يغلب الظلام الشمس؟

حتى وإن طال الليل... لا بد لها من شروق.. لا بد لكِ من نهار.. 


يا رب



اللهم لا تعلق قلبي بما ليس لي
واجعل لي فيما تحب نصيب
واكفني بفضلك وعلمك ورحمتك شر وعد كاذب وأمل زائف وكل ما ظهر وكل ما بطن ولا يرجى منه خير

آمين آمين آمين

Tuesday, September 15, 2015

سبعاويات في خمس سنوات

من خمس سنين زي النهاردة انا كتبت شوية الحاجات دي
من فترة كده، جت قدامي، ولقيت قسم الأمنيات تحديدا اتحقق منه كام حاجة كده.. ما كنتش مصدقة! 

اترسمت على وشي ابتسامة كده، وحسيت بشوية رضى زيادة.. فيه حاجات بتتحقق. يمكن مش بناخد بالنا انها اتحققت عشان بنتعب في تحقيقها. ويمكن مش بناخد بالنا انها اتحققت عشان بتبقى محتاجة شوية خطوات كمان عشان تكمل او تخلص.. لكن بتيجي.

القريبين مني أوي هم اللي هيعرفوا ايه اللي اتحقق من الأمنيات دي.. وايه اللي لسه ماتحققش منه ولا خطوة.. وايه اللي ابتدا يحصل بس لسه ما كملش.. وايه اللي بدأت الخطة تترسم له بس لسه ما أخدتش ولا خطوة.. 

وخليني ابتدي معاكم قائمة امنيات جديدة.. مع ابديت للقديمة كمان.. ولو لنا نصيب، هانرجع نتقابل هنا تاني بعد خمس سنين تانيين، ونبص عليهم بصة.. ونضحك شوية كمان.

قائمة 2010 - ابديت


المدى القصير(من 6 شهور لسنة):


- أخلص جزء كبير من الكتب اللي عندي قبل المعرض الجاي
*تسمع أصوات ضحك في الخلفية لأنه ببساطة، مستحيل!*
دول وصلوا 470 كتاب! حتى لو استقلت من الشغل وتفرغت للقراءة مش هالحق أخلصهم! D: 


- آخد صور تحت المية بنفسي وتطلع حلوة
* حصل وكنت باصور زميلة غطس احتفالا بغطستها رقم 100 والصورة طلعت واضحة وحلوة.. بس كنت مرعوبة الكاميرا تقع من ايدي وتضيع! D: 


- أرجع ألعب رياضة/أو أبدأ اتقن العوم
* حصل فعلا.. واشتركت في جيم سنة.. وبعدين الجيم قفل، فأنتخت! D: لكن مؤخرا رجعت أمشي كتير وأتريض مع مفاجأة في أمنيات 2015.. ما أتقنتش العوم للأسف، بس الحمدلله ما رجعتش أخاف من البحر تاني :)


- أصلح فُلة واوديها تتغسل وتتعمل بالواكس وأسدد أقساطها نهائيا
* فلة مازالت محتاجة تتصلح D: مش من ساعتها يعني، بس أهي الدنيا ملطشة معاها زي ماهي ملطشة مع أمها (أنا).. بس أصيلة ومستحملاني برغم كل شيء وما خذلتنيش الحمدلله.. ربنا يبارك لي فيها ويكفينا شر الطريق.. لكن؛
الجميل اني في نفس السنة، 2010، ربنا كرمني وسددت أقساطها كلها فعلا :) وفي مدة أقل من الوقت اللي كان المفروض يتسدد فيه القرض بتاعها..  تلات سنين بدل خمسة.. لله الفضل والمنة.. ومن فلة وقرضها اتعلمت درس مهم، ربنا هو اللي بيسدّ ديوننا، مش الفلوس! الفلوس ممكن تبقى في ايدك، لكن تجي لها مصارف أهم او طارئة أكتر.. فإن يبقى في ايدك الفلوس وتقدر تسد بيها ديونك، دي لوحدها نعمة من الله ورزق قائم بذاته بعيدا عن الفلوس نفسها.. لله الحمد حتى يبلغ الحمد منتهاه
وعملتها مرة من زمن كده بالواكس والبوليش فعلا وبعدين بطلت أفكر الأفكار الباهظة دي تاني D: 


- أرجع أرسم
* رسمت مرة واحدة بس من 2010 لحد النهاردة.. ما رضيتش عن النتيجة خالص واتكدرت جدا.. 


- أعمل الـ تي شيرتات اللي نفسي فيها اللي عليها صورة السنوركل او صورة من كاريكاتير وليد طاهر
*ما حصلش للأسف


- أرجع أكتب
* كتبت كتير من ساعتها.. حاجات فاجأتني انا نفسي.. وحاجات تهريج.. لكنه كله فضفضة.. 
ممتنة جدا للتشجيع اللي بالاقيه من كل الناس لما باكتب حاجة..
ومازلت مقتنعة انها مش مادة تستحق النشر (سامحيني يا مروة D:) وكل ما باقابل "أشياء" منشورة بين دفتي كتاب ولا تستحق الغلاف المعمول حواليها حتى.. بازداد قناعة.


قائمة 2010 و 2015 وحتى تتحقق.. سبعاويات في خمس سنوات بإذن الله...


المدى الطويل ( من سنة لحد ما ربنا يأذن):


- أسافر باريس مدة كويسة
* فيه دراسة.. فيه خطة.. في انتظار الفلوس D:


- أعمل مكتبة كبيرة في أوضتي
* ما حصلش ومش هيحصل، بس لسبب جميل :)


- ألف العالم
* يا رب


- أجيب شقة/بيت في مكان بحبه و بعيد عن الدوشة و الناس
* حصل.. بفضل الله ثم أمي اللي ادتني كل الفلوس اللي حيلتها، لحد آخر قرش حرفيا، عشان أكمل على القرض اللي أخدته وبادفع فيه اكتر من تلت مرتبي بقالي 3  سنين ونص، ولسه فاضل عليه قدهم.

القرض بمبلغ مهول! ماعرفش عملت في نفسي كده ازاي.

وبرغم اني فلّست أمي، لكنها شجعتني أجيبه، رغم ان وجود البيت ده معناه اني عايزة أسيبها وأستقل في يوم ما! وبرغم اني أوقات كتير بافكر أبيعه وأخلص نفسي من هم القرض والقسط وزنقة الفلوس المستمرة من تلات سنين ونص، إلا انها هي اللي بتقويني عشان أتحمل.
ساعة ما فكرت أجيبه، قالت لي جملة بتكررها كل ما باقول بصوت عالي اني بافكر أبيعه:
"اللي تشتريه دلوقتي مش هاتعرفي تشتريه بعدين لو استنيتي. هاتيه/خليه، وماتفكريش في فلوس القسط، مش قلتي ان ربنا هو اللي بيسد عنك؟ وماتفكريش في المدة، بكرة تبصي على السبع سنين دول وتستغربي عدوا بسرعة كده ازاي.. هاتهون بس هونيها على نفسك"
ماعرفش جابت الكلام ده منين، وبتجيب منين القدرة انها تكرره بنفس القناعة والصدق، مش تطييب خاطر وخلاص! بتحب البيت ده زيي بالظبط، رغم ما يمثله من انفصال بيينا. بهدلت روحها معايا ست ايام متواصلين عشان نعمل فيه شوية حاجات بسيطة؛ قعدت ع التراب في الارض والحر في شهر مايو عشان تشوفه بيبدأ يبان له ملامح. ورفضت انها تروح "زيارة" كده من غير ما نبقى رايحين نعمل حاجة عشان صعبان عليها اننا مش قادرين نشتغل فيه بقالنا سنتين ونص. ولما وريتها صورة الجنينة بتاعته وانا متصورة مربعة فيها عينيها دمعت فرحة. فضت جزء كبير في دولابها عشان تشيلي فيه الحاجات اللي جت لي هدية للبيت من الغاليين. ومن قبل ما تيجي هدايا، لقيتها لوحدها كده شالت لي مج وبشكير ومش فاكرة ايه تاني كده (رغم انهم مافيهمش حاجة مميزة يعني!) وقالت لي دول للبيت!

ده عن الست اللي كانت السند والعون اللي قدرت بيهم أحقق الحلم ده، وان كان فاضل عليه لسه شوية خطوات.. عايز وقت كتير.. وعايز فلوس أكتر.. بس احساسي بيقولي انه هايكمل.

أما البيت نفسه.. فانا باحبه.. حب حقيقي، كأنه روح! فوق قناعتي ان الأماكن لها أرواح، بنرتبط بيها وترتبط بينا، لكن البيت ده بقى كأنه المرسى اللي مستنة أوصله.. والأهم، انه الهلب اللي مثبتني على الارض.. اللي مثبتني على الحلم.. بقى هو اللي راسم خط اتجاهي ناحيته.. 
هو السبب اني ماعملتش مكتبة في أوضتي.. عشان بإذن الله هايبقى فيه اوضة كاملة مكتبة بس.. الأرفف داير ما يدور الأوضة.. مع كرسي/قعدة واباجورة.. وسقف ملون.. ومن غير باب..

البيت ده مفتوح للناس اللي سندت وقومت وساندت ونفخت فيا من روحها قوة وصبر ومن قلبها سلام.. وهايبقى مفتوح بحسّهم..  


- أبطل شغل شركات واشتغل حاجة حرة بحبها (أفتح مكتبة)
* دي الخطوة الخمسية - حرفيا - الجاية... بإذن الله في خلال خمس سنين اكون بطلت شغل شركات. فتحت مكتبة او اشتغلت في مكتبة ماعنديش مشكلة في اي منهم.. المهم يحصل، والأهم أبطل شغل شركات.. والخطة بتترسم حاليا.


- أتخلص من الغضب
* اللهم لك الحمد كما ينبغي لعظيم وجهك وجلال سلطانك حمدا كثير طيبا مباركا عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته ورضى نفسه حتى يبلغ الحمد منتهاه.. 

ما باقولش اني بطلت عصبية، لكن مابقيتش غضبانة من جوايا زي الأول.. وما بقيتش حتى أتعصب على كل حاجة.. عدد غضباتي قل كتير الحمدلله.. وتحديدا آخر سنتين.. فتح الله عليا من نوره، ورزقني بناس طيبت خاطري.. وصرف عني ناس كانوا بيبخوا في عقلي وروحي سوادهم.. والشوية الفاضلين، باتجنبهم على قد ما اقدر.. 

بطلت أتكلم عن مشاكل الشغل بنسبة كبيرة عن الاول.. ولو حكيت أحكي بتهريج وتريقة أو عشان أنفس عن نفسي جرعة غباوة زيادة محتاجة تخرج برة سيستم جسمي عشان ما تسممنيش.. وفعلا ما بقاش يأثر عليا زي الاول.. 

باحاول أحب نفسي اكتر.. باحاول ألتمس الأعذار للناس اكتر.. باحاول أعاتب الناس أقل؛ منها تجاهل، منها تجاوز، منها تفهّم. أواخر 2013 واوائل 2014 كنت اكثر سلاما من دلوقتي.. لكن دلوقتي على الاقل مش غضبانة.. الحمدلله.


أبطل يبقى ليا توقعات واستغنى
* حصل بنسبة كبيرة.. عندي توقعات من نفسي.. لكن مش من حد.. وما بازعلش من حد خلاص؛ يا إما هو مش مستاهل اضايق نفسي عشانه، يا إما هو يستاهل اني اتجاوز عن زعلي عشانه.. يا إما أبخ في وشه كلمتين - على الهادي - لعله يفهم غلطه وان مافهمش مابتعبش قلبي معاه.

اتعلمت ان الناس قدراتهم مختلفة، وكل واحد بيقدم أحسن ما عنده فعلا! حتى الغلاّط وقليل الأدب؛ ده أحسن ما عنده. حتى المدبّ اللي ما بيفكرش في كلامه؛ ده أحسن ما عنده. وانا مش هاقدر أتحكم في كل دول، ولا أمشيهم زي ما انا عايزة، ولا حتى هاقدر أخليهم يقبلوني بطبعي ده.. فباحاول يا أتجنب اللي مش متحملة طبعه.. يا اما أتفهم طبع اللي قدامي من غير ما افرض عليه طبعي ومن غير ما آجي على نفسي.. باحاول على قد ما اقدر اني ماجيش على نفسي ولا على حد.. الدنيا بجد مش مستاهلة.


ومن هنا لحد 5 سنين كمان - يا ضامن الأعمار يا رب - ماحدش عارف ايه اللي هيحصل.. آدينا كتبنا، وساعتها لو ليا عمر نبقى نشوف! 

يا كل اللي عارفين نفسهم، وشافوا نفسهم في كلامي ده لو كان جالهم صبر يقروا الرغي ده كله يعني.. انتوا نعمة من ربنا في حياتي بادعي من قلبي يديمها عليا

أشوفكم كمان 5 سنين :)

Tuesday, September 8, 2015

نمط


Nothing significant ever happens until a pattern is broken. ―Unknown#TodaysMantraArtwork by Faig Ahmed Artist
Posted by berlin-artparasites on Monday, August 31, 2015

لن يحدث أي تغيير جذري ولا أي حدث هام، إلا ان قمت بكسر تكرار نمط معين.

- مجهول

منذ الصباح، أو لربما منذ الأمس، أو لربما منذ رأيت هذه التدوينة وانا اسأل نفسي؛ ما هو النمط الذي يحتاج للكسر؟ ما هو الشيء الذي يتكرر بنمطية في حياتي، وعلي أن أكسره، ليحدث "شيئ ما"؟ 

 ما هو؟ 

Monday, September 7, 2015

نوت تو سيلف

أنا: الواحد ما ينفعش يزعل على حاجة مش بتاعته.. 
مهما كان بقاله كتير بيتمناها او مستنيها.. ومهما كانت قربت منه، وفاضله خطوة ولا اتنين ويطولها.. 
بس ما دام ما بقتش بتاعته، خلاص مش المفروض يزعل! 

سيلف: أيوة ماهو الكلام ده معروف يعني، مش جديد.. بس هو زي ما تقولي كده، الواحد بيزعل ان الحاجة مش هاين عليها تبقى بتاعته!
يعني ولا كأن انتظاره وأمنياته دول ليهم قيمة ولا ليهم تمن.. كأنها خسارة فيه، مهما دفع في مقابلها!

أنا: ماحنا قلنا، كل حاجة بآوان.. وكل شيء نصيب!

سيلف: واشمعنى مايبقالناش نصيب في كل حاجة نفسنا فيها؟! هو عِنْد يعني؟! 

أنا: لأ يا طويلة اللسان.. لكن النفس أمارة بالسوء.. إيش عرفك ان الحاجة اللي نفسك فيها دي، فيها خير ليكي ولا للي حواليكي؟! 
عندك كل العلم؟! انكشف عنك الحجاب يعني؟! 

سيلف: طيب بلاش السؤال كده، خليه كده:  واشمعنى بنتمنى الحاجات اللي مالناش نصيب فيها؟! هو عِنْد يعني؟! 

أنا: مش عارفة.. 

صمت قصير.. ثم في نَفَس واحد:

يمكن عشان يفضل عندنا أمل انها احتمال تتحقق ونفضل عايشين عليه؟!

***



Thursday, September 3, 2015

الأخت ماري

** تحديث لتدوينة قديمة


الأخت ماري
هكذا كانت توقع شهادات درجاتنا الشهرية والسنوية.. وبمنتهى السذاجة لم اكن أستوعب أن ذلك التوقيع يعني "Soeur Marie" رغم اني أفهم الترجمة، ولكني بشكل ما لم أربط بين الاثنين.

كانت مديرة مدرستي.. وكانت مثال الشخصية القوية جدا، الحازمة جدا، عارمة الحنان، في آن واحد.

نظرة واحدة منها كانت كفيلة بدفعك دفعا للارتعاد خوفا إن كنت قد ارتكبت حماقة ما، حتى بدون أن تنطق هي حرفا!
ونظرة أخرى تعيدك لسجيتك الطفلة، فتحكي لها نكتة "مرة واحد راح يقعد على قهوة قعد على شاي" لتقهقه هي ضحكتها الملتزمة المرحة، وكأن النكتة مضحكة حقا.. فتشعر وكأنك قدمت للبشرية انجازا عظيما، فقط لأنك أضحكتها.

الوحيدة التي استطاعت ان تقنعني أن أتوقف عن قضم أظافري، بعد ان شَكتني أمي لها.. نادتني يوما بعد انتهاء اليوم الدراسي ونظرت لي بهدوء حنون، حدثتني عن الدراسة والمذاكرة وما شابه، ثم نظرت إلى أصابعي التي كانت قد قاربت التشوه، وبلِومٍ هاديء قالت:
"ايه ده؟! ضوافرك ليه شكلها كده؟"
رددت خجلى: "أصلي باقرقضهم.."
قالت: "هو فيه آنسة  كبيرة زيك كده وتقرقض ضوافرها زي الأطفال الصغيرين؟! بصي ضوافري عاملة ازاي؟ مقصوصين ونضاف مش متعورين ومتقرقضين.. ينفع آنسة كبيرة زيك تسيب ضوافرها شكلها كده؟"
هززت رأسي أن "لا".. فنظرت لي نظرة ذات معنى وابتسمت..
دار بيننا هذا الحديث وانا في الخامسة من عمري وإلى الآن – بعد ثلاثين عاما – لم يحدث أن قضمت أظافري مرة أخرى ابدا.

كانت تسعد لنجاحاتنا الصغيرة سعادة حقيقية.. وتناقش معنا أسباب أي تراجع عن معدلات تحصيلنا المعتادة. لم يحكمها شيطان العند والكِبر لما اكتشفتُ غلطة في امتحان الحساب للصف الاول الابتدائي، وقالت ان الحق معي بكل أريحية، أمامي، وطالبت المُدرسة بتقسيم درجة هذا السؤال على باقي أسئلة الامتحان وعدم احتسابه ضمن الدرجات.

لا أذكر عدد المرات التي شاركتنا فيها "الفسحة".. وهي مديرة المدرسة.. تضاحكنا وتحادثنا وكأنها ابنة الثامنة او العاشرة مثلنا.. لا أذكر كم مرة رأيتها تلعب مع بنات الحضانة "فتّحي يا وردة".. او استغماية..

ولا أنسى المرات التي كانت تجمع فيها كل طالبات المدرسة المتجمعات في موعد فسحة واحدة في قطار طويل تتقدمنا هي وتدور بنا في ساحة المدرسة.. وقع أقدامنا وصوت "توووت توووت.... تش تش" تردد صداه حوائط المباني من حولنا، وهي معنا.. ولا تتخلف فتاة واحدة عن الانضمام.
حتى أولئك الـ"آنسات الكبيرات" اللاتي يفضلن الجلوس والتحدث بهدوء عن الجري والصخب من أمثالي، أو حتى الفتيات المنطويات اللاتي لم يشاركن أحدا فسحتهن ولم يشاركهن أحد؛ كانت تُصرّ على ان تشارك كل فتاة في القطار ولا تتحرك من أمامها الا بعد ان تنضم للصف الطويل، المؤلف من فتيات خمسة فصول دراسية كاملة.
لا أذكر اني رأيت احداهن متأففة او منزعجة لاقتحام عزلتها وانعزالها، على العكس، ربما كانت تلك هي المرات القليلة التي ارتسمت فيها ابتسامات صادقة وصافية على وجوه تلك الفتيات وضحكن من قلوبهن فعلا، وعشن طفولة لحظية لم أدرِ لاحتجابها سببا كطفلة.

لا أنسى ركوعها بكل أريحية في الفناء لتعقد رباط حذاء هذه الصغيرة أو تلك، حتى لا تتعثر خطواتها الطفلة.. لا أنسى لهفتها على أية طالبة تحتاج للذهاب للعيادة في أي طاريء مرضي، فتذهب لها مطمئنة، ومعها كوب نعناع دافيء او سندويتش المربى التي تصنعها راهبات المدرسة.

لا أنسى يوم حبستني أحداث "الأمن المركزي" في المدرسة، وأخذتني معها لسكن الراهبات، وأعدت لي الكيك والسندويتشات، وحرصت على أن اتم واجباتي المدرسية، حتى تمكنت أمي من اصطحابي من المدرسة في الثامنة ليلا.

ولن أنسى العروسة، و"طقم الشاي" الوردي اللذان كانا بانتظاري كهدية شفاء بعد اجرائي لعملية اللوّز وعودتي للدراسة.. واحتفالها مع زميلات الفصل ومدرساته بـ "عودتي سالمة".

الآن أرى تلك الشخصية ذات الحضور القوي الكاسح، الذي يتحول لحنان جارف بلا أي تصنّع.. ولا يسعني إلا أتفهم كيف كانت لها القدرة على تحويل الرهبة والاحترام اللذان أشعر بهما إلى امتنان ومحبة وانبهار.. كأنها الأخت الكبيرة التي تقوم بدور أم البديلة في التقويم والمحبة لا يبغي أحدهما على الآخر مهما كانت الغاية..  فيترائى أمامي بعدا آخر لتوقيعها على شهاداتنا؛ الأخت ماري.


Tuesday, September 1, 2015

رسالة وداع من لاجىء سوري

رسالة وداعية كتبها لاجئ سوري قبل غرقه في المتوسط:
شكراً للبحر الذي استقبلنا بدون فيزا .. وشكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي
وكالة الأناضول - تداول ناشطون سوريون على شبكات التواصل الاجتماعي، نص رسالة قالوا إنها وجدت في جيب أحد اللاجئين السوريين الذين انتشلت جثثهم بعد غرق مركبهم الذي كان يحوي المئات من المهاجرين غير الشرعيين في البحر الأبيض المتوسط خلال رحلتهم للوصول إلى الشواطئ الأوروبية مطلع الأسبوع الجاري.

وفيما لم يبيّن الناشطون معلومات عن هوية صاحب الرسالة الوداعية الأخيرة التي كتبها فيما يبدو لدى استشعاره بقرب غرق المركب الذي كان يحمله، فإنهم أرفقوا مع النص الذي نشروه على صفحاتهم الشخصية عبارات مؤثرة من قبيل "هدية إلى العالم المتحضر.. هرب من الموت فاحتضنه البحر.. أنصحكم بالقراءة لكن لا تبكوا لأن الدموع جفت على أبناء سوريا".
وهذا نص الرسالة الذي تنشره وكالة "الأناضول" بحسب ما تداوله الناشطون:
"أنا آسف يا أمي لأن السفينة غرقت بنا ولم أستطع الوصول إلى هناك (يقصد أوروبا)، كما لن أتمكن من إرسال المبالغ التي استدنتها لكي أدفع أجر الرحلة (يتراوح أجر الرحلة البحرية للوصول إلى أوروبا بطريقة غير شرعية ما بين ألف إلى 5 آلاف يورو بحسب دولة الانطلاق وعوامل أخرى مثل صلاحية المركب وعدد الوسطاء وغيرها).
لاتحزني يا أمي إن لم يجدوا جثتي، فماذا ستفيدك الآن إلا تكاليف نقل وشحن ودفن وعزاء.
أنا آسف يا أمي لأن الحرب حلّت، وكان لا بد لي أن أسافر كغيري من البشر، مع العلم أن أحلامي لم تكن كبيرة كالآخرين، كما تعلمين كل أحلامي كانت بحجم علبة دواء للكولون لك، وثمن تصليح أسنانك.
بالمناسبة لون أسناني الآن أخضر بسبب الطحالب العالقة فيه، ومع ذلك هي أجمل من أسنان الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد).
أنا آسف يا حبيبتي لأنني بنيت لك بيتاً من الوهم، كوخاً خشبياً جميلاً كما كنا نشاهده في الأفلام، كوخاً فقيراً بعيداً عن البراميل المتفجرة وبعيداً عن الطائفية والانتماءات العرقية وشائعات الجيران عنا.
أنا آسف يا أخي لأنني لن أستطيع إرسال الخمسين يورو التي وعدتك بإرسالها لك شهرياً لترفه عن نفسك قبل التخرج.
أنا آسف يا أختي لأنني لن أرسل لك الهاتف الحديث الذي يحوي "الواي فاي"(خدمة الانترنت اللاسلكي) أسوة بصديقتك ميسورة الحال.
أنا آسف يا منزلي الجميل لأنني لن أعلق معطفي خلف الباب.
أنا آسف أيها الغواصون والباحثون عن المفقودين، فأنا لا أعرف اسم البحر الذي غرقت فيه..
اطمئني يا دائرة اللجوء فأنا لن أكون حملاً ثقيلاً عليك.
شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي.
شكراً لقنوات الأخبار التي ستتناقل خبر موتنا لمدة خمس دقائق كل ساعة لمدة يومين..
شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما ستسمعون الخبر.
أنا آسف لأني غرقت..".

Thursday, August 20, 2015

أحوال

فيه مواقف بتمر بينا بتسبب لنا صدمة، كرب، أذى نفسي أو مادي.. أو كلهم!

المواقف دي بعد فترة، للي بيحاول يستخدمها سلمة للنضج الحياتي والتحول لشخص أفضل، بيتصور انه تجاوزها وتخطى المتسببين فيها.. وان أذاهم ما بقاش له سلطة عليه من غضب أو حزن، لأنه اتعلم منها ومنهم درس خلاه بقى شخص أفضل/أذكى/أرقى.. 

وفعلا، يبتدي الشخص لما يفتكر الموقف يلاقي نفسه أكثر هدوءًا، ولما يفتكر الشخص المتسبب فيه يلاقي نفسه بيقول الله يسمحه/ا بدل حسبي الله ونعم الوكيل فيه/ا.. 

الغريب بقى لما ييجي الواحد يقابل الشخص ده، واقعيا او افتراضيا، صدفة، ويتفاجيء انه لسه غضبان! وان احساس الكرب اللي سببهوله تصرف الشخص بيصحى من جديد.. وترجع تاني تصعب عليه نفسه.. 

طيب ليه؟ مش الموقف/الشخص ده علموك حاجة، حتى لو كانت انك تتجنب انك تبقى/تعمل زيهم؟
مش بعد كده حصلت حاجات أحسن من اللي خسرتها بسببهم، وبقيت تقول الحمدلله انهم عملوا كده والا ماكنتش هاتعلم واتقدم؟ 

ليه فجأة لما تشوف صورة الشخص ده او موقف يتضمن سيرته، تلاقي كل كربك ده بيصحى من تاني؟ 

هو الأذى كان كبير للدرجة دي؟! 

ولا ده حب رثاء الذات وعيش دور الضحية؟! 

مش متأكدة.. 

Monday, August 17, 2015

لأن بعض الأحلام تستعصي على الموت

اليوم كنت أمر بالمتجر متعدد الأقسام.. تفقدت الملابس والأحذية.. 
وتفقدت قطع الأثاث القليلة المعروضة.. رديئة الجودة فعلا! 
أما السلع الاسهلاكية المدعوة "معمرة" فهي بلا شك قادرة على ان "تخرب" العامر.. الأسعار مرعبة.. وأحجام الثلاجات أشعرتني بالضآلة.. والتلفزيونات كادت تصيبني بالجنون من كثرة الكماليات واتساع حجم البوصات.. يبدو أنهم في القريب العاجل سيقدموا التلفزيونات بوحدة الفرسخ!! وأجهزة أخرى عجيبة لم ادر لها وظيفة ولم أكن على استعداد لتفقد ماهيتها.. 

سرت في المتجر كقروي هبط للمدينة لأول مرة.. مع انها بالتأكيد ليست مرت الأولى في هذا المتجر او أشباهه.. ولكني كنت أسير بلا هدف أتفقد الأسعار والأشكال والأحجام المختلفة لكافة المعروضات.. والنتيجة اني رحت اتضائل حتى كدت أخرج من المتجر قزمة بعد أن دخلته متوسطة الطول..

استكملت مسيري في المتجر بلا هدف وانا أفكر.. هل هذا هو الغرض من هذه المتاجر؟ ان تشعرك بضآلتك؟ أو على أحسن تقدير، تشعرك بضآلة دخلك! 

هل فكرت في الاستقلال عن عائلتك؟ جميل.. 
اشتريت شقة صغيرة؟؟ فعلا؟!! مبروك..
هل بدأت في "تشطيبها"؟ ليس بعد؟... ممم
وماذا عن الأجهزة؟ الأرضيات؟ طقم الحمام؟ السجاد؟ الستائر؟ المطبخ؟ 
لا؟ ولا أي منها؟! لماذا؟ آه.. مازلت تسدد ثمن الشقة.. طيب.. بالتوفيق!

هكذا يدور الحوار بيني وبين المعروضات.. أو هكذا اسمعها بعين خيالي، وأحاول ألا تقع عين واقعي على رقعة السعر على كل سلعة.. ولا أستطيع أن أمنع نفسي لأني، وان كان مسيري في المتجر بلا هدف، إلا أني أود أن اضع تصورا لميزانية ما.. تصور قيمة دخلي الشرائية، والتي أعلم تمام العلم أنها ضعيفة جدا.. ولكن ما بيد "مدمن التفكير" حيلة.. 

أدور وتدور برأسي فكرة الشقة الصغيرة.. وميزانيتها.. ودخلي.. وحلمي بذلك البيت الصغير الذي صار لي أكثر من 10 سنوات أحلم به.. وأكثر من ثلاثة سنوات وانا أحاول تدبير ميزانية ما له.. 

حلمي هو وكابدت كثير من الحرمان والاستدانة لتحقيقه.. حلمي هو ولا أرى ان من الطبيعي ان يحلم الانسان "ببيت" ثم يجد مثل هذا الحلم يستعصي على التحقيق لهذه الدرجة.. قد تطول المدة او يواجه المرء بصعوبات.. لكنه ليس حلما غير مشروع! وقد تجاوزت خطوة أو اثنتين في سبيل تحقيقه.. هل أتراجع الآن؟

هل أتنازل الآن؟ هل أترك حلمي للموت؟

في أثناء مسيري قررت المرور من الممر الخاص بلعب الأطفال، لعلي أجد ما يناسب بنات صديقتي لأهاديهن به.. ثم وجدتني أتوقف مطولا - بلا وعي - أمام أرفف العروسة باربي.. تلك التي عملت طوال عام دراسي كامل بكل جد وكد، لأفوز بها هدية نجاح في آخر العام.. كان عمري سبع او ثمان سنوات.. 

لم اتوقف أمام العروسة ذاتها.. ولكن، تلك السيارة زهرية اللون التي حلمت باقتنائها مع سائر مكملات المعيشة الخاصة بالعروسة من بيت وملابس وزوج وابنة واصدقاء.. 

في تلك الأعوام كان ذلك حلم بعيد المنال، بنجاح أو بدونه، لأن حتى عقلي الطفل، غير القادر على استيعاب حساب العملة والقدرة الشرائية، ولا فهم معنى مفاهيم كـ"دخل، فلوس، مرتب، سعر"، لم يستسغ شراء "لعبة" بهذا المبلغ الفادح.. لم أستطع استيعاب الرقم في ذلك الوقت، لابد إذا ان يكون فادحا مادام عصيا على الاستيعاب! وظلت لسنوات أمر بالمتجر المتخصص في بيع باربي ومستلزماتها، وأتوقف لمتابعة الأسعار والموديلات الجديدة من ملابسها والتطورات التي طرأت عليها من أذرع أو أرجل قابلة للثني وخلافه.. ولكن تلك السيارة تحديدا بدت بعيدة بعيدة.. 

واليوم.. توقفت تلك الفتاة ذات السبع، ثمان، تسع، سنوات.. في جسد تلك ذات الخمس وثلاثين، تتأمل تلك السيارة - دون سعرها - لأني الآن قادرة على شرائها ببساطة.. بجرة بطاقة... ولكني لا أريد.. هكذا، ببساطة!

ولكن لم استطع منع تلك الابتسامة التي ملأت وجهي، مع تذكري لذلك الحلم البعيد.. والذي صار الآن على بعد "جرة بطاقة" لو - فقط - أردت.

ابتسمت لأني فكرت أن بعض الأحلام - حقا - يستعصي على الموت.. نصر عليه فنحققه، طال الوقت أم قصر، أو يبقى هناك ليذكرنا بمرحلة ما... بطفولة ما.. وأن ما كان عسيرا حد الاستحالة يوماً، قد يصير على بُعد بضعة أيام، أو حتى جرة بطاقة.

  

Tuesday, August 11, 2015

على حافة الانتظار

أظل دوما قيد الانتظار.. طال أم قصر.. 

أنتظر اجازة نهاية الأسبوع لألتقي بالاصدقاء أو أرتاح..
انتظر موعد حفلة/لقاء يحدث في منتصف الاسبوع، ليخفف من وطأة الأيام.. 
انتظر موعد حفلة، ندوة.. حدث ما، وأتشبث بالتاريخ لكي يبدو لي أن هناك ما أتطلع إليه.. 

انتظر انقضاء موجة الحر..
أنتظر حلول المساء.. 
انتظر انتهاء الفقرة الاعلانية لأعاود متابعة الفيلم/المسلسل

انتظر انتهاء جلسات التقييم نصف السنوي للموظفين.. وحل شكاواهم
انتظر نهاية الشهر لأتسلم راتبي.. وبدايته لأسدد ديوني.. فنهايته مرة أخرى، حتى قبل انتصافه..
انتظر اصدقائي في تأخرهم على موعدنا..

انتظر ردا على هذه الرسالة الهامة.. او تلك الغاضبة..  
انتظر ردا من شركة أجرت لي مقابلة توظيف.. حتى لو بالرفض..

انتظر نهاية العام.. أو بدايته، كلاهما سيان.. 
لأقرر ان كان في المستطاع تحقيق جزء من حلم ما، أو تأجيله للعام القادم
أو نسيانه كلية..

تنقضي الساعات في انتظار توافه الأشياء وأجلّها.. وينفرط العمر انتظارا لشيء ما.. حدث ما.. شخص ما..

و من مكاني هذا، على حافة الانتظار، أنتظر ان أكف عن الطموح والتمني والأحلام.. 
لأكف عن الانتظار.. 




Friday, August 7, 2015

حلم

أشوفك ناجح.. متألق.. 
أفرح..
نتلاقي.. ماحدش يقاطعنا.. حاسة بتعبك.. أحط إيدي على كتفك.. أطبطب عليك.. نفسي أشيل التعب عنك.. تضمني.. 
يختفي العالم.. 
نتمشى.. نتكلم.. نضحك.. 
"- جعان؟ 
* آه جدا! يلا نشوف مكان ناكل فيه.. 
- يلا.."
وكل اللي على بالي فرحتي ان لقانا هايطول.. وانك معايا وقت أكتر من دقايق كل مرة.. 

"* هنا ولا هنا؟
- زي ما تحب.. 
* هنا بيعملوا أكل هايل"
أمشي معاك.. عايزة أبقى معاك وخلاص.. عايزة أشوفك.. بس.. 
أسمعك.. بس..
مش مهم فين.. مش مهم هانعمل ايه.. المهم انك تبقى قصاد عيني.. 
ما بنلاقيش مكان.. الدنيا زحمة.. وانت حرّان..
وباين عليك تعبان بس كأنك مش عاز تمشي.. عشاني.. 
بتطلع نمشي لمكان تاني.. وإيدي في إيدك.. 
مكملين كلام.. لأ.. انت بتتكلم وانا باسمع بس.. 
بيوحشني صوتك حتى وانت بتتكلم.. بتوحشني ملامحك حتى وانا شايفاك.. 
مش عايزة اليوم يخلص من فرحتي.. بس عارفة ان الوقت اتأخر.. 

أتقلب عشان - كالعادة - اتأكد ان كان ده حلم ولا حقيقة.. 
أصحى

ورغم اني صحيت.. وانه كان حلم.. لكن رفرفة قلبي من فرحتي بيك وانت قدامي.. فرحتي بنجاحك.. فرحتي بضمتك ليا.. دفا ايدك في ايديا.. 
كل ده لسه موجود.. بعد ما اليوم خلص.. 

يا حلم موجود في الحقيقة.. وحقيقة بتزورني في الحلم.. 

امتى هاقدر أحققك حقيقة زي الحلم؟ 



   

Monday, July 27, 2015

إخوة يوسف

أوقات -زي النهاردة كده- بتلح عليا الفكرة دي:

هو انا ما بقاش ليا اخوات عشان انا كده؟ ولا انا كده عشان ماليش اخوات؟

ايه الحكاية؟!

الحكاية اني اتولدت وحيدة.. سبقني اختين وتوفاهم الله، حتى ماشوفتهمش.. ربنا يجعلهم في ميزان حسنات والديّ.. 

موقف وسؤال اتكرروا كتير وما زالوا بيتكرروا:

 "- هو انت مالكيش اخوات بنات؟!
 - آه.. ولا ولاد!
- إيه ده!!!! انتِ وحيدة؟!!!! (بتعبيرات دهشة وتعجب واحتمال فزع)
- باين كده!
- ممم (مع تعبيرات أسى بيتحول تدريجيا لشفقة وبعدين لخفة ظل) تبقي أكيد متدلعة!"

مع ان أي حد يعرفني او شافني بس حتى هايحلف على البحر يجمد اني لا دلوعة ولا باطيق الدلع.. بس هي متلازمة "وحيدة/متدلعة" بيتجي مع بعضها زي شوكولاتة وفانيليا كده.. مع انه طلع فيه كوكتيلات تانية، بس هو كده!  

وكنت زمان اتعصب جدا لما حد يقولي "متدلعة" دي!! يعني إديني أمارة واحدة على الدلع ده؟!! 

لكن لما كبرت شوية وبصيت ورايا على السنين لقيت اني اتدلعت اه!

لو كان ليا اخوات ماكانش هيجيلي تلات فساتين في العيد الصغير واربعة في العيد الكبير، فستان لكل يوم.. 
لو كان ليا اخوات ماكنتش هادخل مدرسة محترمة اتعلم فيها تعليم محترم.. 
لو كان ليا اخوات ماكانش بقى كل دخل الأسرة مخصص ليا عشان تعليمي ولبسي وعلاجي وشرا الكتب..

ولحد دلوقتي.. وبعد وفاة ابويا بتمنتاشر سنة.. وشوية الحاجات المادية اللي سابهالنا،

لو كان ليا اخوات ماكناش خدنا قرار العزال بسهولة كده
لو كان ليا اخوات ماكنتش اخدت فلوس دراسات عليا من أمي بسهولة كده
لو كان ليا اخوات ماكنتش اخدت فلوس مقدم العربية من أمي أصلا

لو كان ليا اخوات حاجات كتيرة جدا ماكانتش هاتحصل واتضح بعد فترة انها في مصلحتي.. 

رغم اني كنت - واحيانا دلوقتي كمان-  بافكر ان؛

لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا في فلوس هدية عيد الأم/عيد ميلاد ماما.. وعيد ميلاد بابا
لو كان ليا اخوات كنا لبسنا من هدوم بعض.. بنات ولا ولاد.. 
لو كان ليا اخوات -بنات- كنا هانتخانق ع السيشوار والجزم والشنط والطرح.. بس احتمال برضه كنا نقعد نسرح شعر بعض تسريحات حلوة.. أو نجرب ألوان الماكياج على بعض..  
لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا في العقاب وساعات المذاكرة وساعات المراقبة جوة البيت وبراه بدل ما كله كان على نافوخي لوحدي!
لو كان ليا اخوات كنا اتقاسمنا الحزن والمسئولية والشيلة والغضب لما ابويا مات

لو كان ليا اخوات حاجات كتيرة كانت ممكن تحصل وتطلع برضه في مصلحتي.. 

لكن.. الدنيا قاعدة بتتفرج عليا طبعا انا مش قاعدة لوحدي! 

تبعت لي مواقف أشوف فيها اخوات.. أبكي على حالي ووحدتي وأقول يا ريتني كان ليا اخوات.. وانا هاعمل ايه لما بعد عمر طال او قصر أبقى فعلا لوحدي؟ مش كانوا يبقوا لي سند ووَنس برضه؟!

ايه؟ صعبت عليا نفسي؟ صعبت عليا وحدتي؟!

تروح بعدها باعتة لي مواقف اشوف فيها اخوات... أبكي على حالهم.. ووحدتهم والاسم ليهم اخوات.. ناسيين بعض، واكلين حقوق بعض، قاطعين الرحم، متآمرين على بعض كأنهم أعداء.. أقول الحمدلله اني ماليش اخوات
  
فييجي المشهد اللي بعدها على طول.. أصحاب أقرب من الاخوات.. الاصحاب دول اللي بيحسوا بيك من غير ما تتكلم.. اللي فجأة يهلوا يسألوا عليك كده ولا يقولوا لك تعالى نخرج وفي قعدتنا سوا ننسى الدنيا وما فيها.. اللي من غير مناسبة يجيبوا لك حاجة كان نفسك فيها او بتدور عليها.. وفي المناسبة يجيبوا لك حاجة أهم/أصعب/ أغلى من اللي قبلها.. وَنس ما بعده ولا قبله.. صحبة تطيب الخاطر وتشفي الروح وتجبر القلب.. 

أقول الحمدلله على نعمة وجودهم في حياتي.. ونس وصحبة.. رزق من ربنا.. 

فارجع أفكر.. طيب هو انا ما بقاش ليا اخوات عشان انا كده؟ ولا انا كده عشان ماليش اخوات؟

"كل ميسر لما خلق له" ده الأكيد.. الأكيد ان ربنا اللي خلقني وصورني أدرى بيا مني.. رزقني على قد امكانياتي.. 

ماهو انا ما باستحملش حد يبقى في وشي طول الوقت برضه، مش هانكر! ولو استحملت بابقى خلقي ضيق!
ولا باستحمل حد يعمل حاجة يبقى ماليش مزاج ليها دلوقتي، ولا تتعارض مع اللي انا عايزاه، مش هانكر! ولو استحملت، هاتقوم تلاتين خناقة!

باحتاج مساحتي اللي لا يتعارض معاها وجود/حاجات الآخرين.. وطبعا ده كان هاينتفى لو كان بقى ليا اخوات (ولا هي مساحتي دي طلعت عشان انا اصلا ماليش اخوات؟!)

مش عارفة.. بس الأكيد اني؛

ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات ناسيين وجودي وانا حية.. والأفظع، وانا ميتة.. 
ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات واكلين حقي.. جبروت منهم أو ضعف مني..
ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات ينسوا حق الدم اللي بيننا.. 

ماكنتش هاستحمل يبقى لي اخوات زي إخوة يوسف.. لأني ماعنديش تسامح يوسف ولا محبته.. في حين ان اخواته ماليين الدنيا حواليا..  

ساعتها وحدتي كانت هاتبقى أكبر.. 

وعليه، فسواء كنت طلعت كده عشان ماليش اخوات او ماليش اخوات عشان كنت هاطلع كده، أحب اقول:

اللهم ارزقني بعِلم يوسف، وعزيمته، واخلاصه، واعتصامه وعصمته، وارزقني صبره الجميل، وجمّلني بجمال أخلاقه وحلاوة روحه.. واصرف عني اخوته ومن على شاكلتهم ومن اتبع خطاهم ومن اتخذ فتنة الدنيا قرينا.. واكفني شر أن يلقى بي في جُب من نسيان بلا قرار حية أرزق أو وحيدة في لحد.. ارزقني من يذكرني ويؤنس وحشتي ولو ببعض كلمة


Sunday, May 10, 2015

الكتاب وانا

أمي هي صاحبة الفضل اني اتعلم القراية.. بصبر ودأب، علمتني الحروف وتركيبها لما يكون كلمات، وتميت اربع سنين كنت باعرف أقرا.. ولو ماعملتليش اي حاجة تانية في حياتي فكفى به فضل! 


وكطفلة وحيدة، عاشت أول 4-5 سنين في حياتها في حياة اجتماعية محدودة جدا، لظروف سفر الوالد.. ماكنتش باشوف أطفال تقريبا خالص وأغلب اللي باتعامل معاهم كُبار.. زمايل والدي وزوجاتهم وقلة منهم كانوا معاهم أولاد.. وأقرب شيء للأطفال اتعاملت معاه في المرحلة دي كانوا أطفال أكبر مني سناً بشوية.. فعشت فترة مش قليلة قدرتي على التعامل مع الكائن المسمى "أطفال" تكاد تكون معدومة، بالرغم من ان قدرتي على التعامل مع الكبار ماكانش فيها مشكلة، احترام فرق السن موجود لكن بدون تهيب مبالغ فيه.. وفي نفس الوقت كنت باخاف جدا من الأطفال اللي ممكن أقابلهم في طريقي وكنت بالتزم صمت الحجارة لو اتجمعت مع أطفال في مكان واحد.

مع الظروف دي، وتكوين الشخصية ده، كانت القراءة هي الملاذ الأوحد. وكنت كمان معتبراه الملاذ الأكثر هدوءا ومنطقية! 

ماكنتش بافهم ايه الممتع في الجري ولا الصريخ ولا الدوشة اللي بيمارسوها الأطفال دي! والحاجة الوحيدة اللي كنت أصبو إليها كطفلة، كان "عجلة".. كان نفسي يبقى عندي عجلة اركبها وألف بيها.. وماكانتش مجرد أمنية، كان حلم.. طموح.. هدف منتظرة اليوم اللي هايتحقق فيه.. وماتحققش لحد النهاردة.. 

غير العجلة، ماكانش فيه أي حاجة تلفت نظري في ممارسات الأطفال في اللعب خالص.. ولا حبيت أنزل العب في الشارع مثلا.. بطبيعة الحال ده كان هيعرضني للتعاطي مع أطفال آخرين، وده كان كافي تماما لانتفاء الفكرة من راسي. 

فيتبقى لي القراية.. أي حاجة وكل حاجة تقع تحت ايدي اقراها.. بس كنت جبانة برضه.. يعني كنت أخاف اقرا حاجة ماتعجبنيش او أحسها هاتبقى معقدة بالنسبة لي.. ماعرفش ليه! كنت مركزة على الحاجات اللي "عارفاها".. والجرايد والمجلات دي كانت بتتذاكر، مش بس تتقري.

وابتديت أطور اهتمامات، مجالات بعينها أحب اقرا فيها يعني.. السينما.. صفحة السينما يوم الاتنين (أيوة زمان كانت بتبقى يوم الاتنين) اللي كانت من اعداد يوسف فرنسيس دي كانت سحر بالنسبة لي.. 

العربيات.. ملحق السيارات وتفاصيل العربيات الجديدة والعربيات "الكونسبت" وايه بكام وضرايب العربيات والكلام ده كله، لو كان ليا أصحاب ولاد في السن ده، كان هيكون ده محور حديثنا بالتأكيد! 

الأدب.. لما عملوا ملحق الأدب في الأهرام يوم الجمعة، كنت بافصصه.. وبريد الأهرام ياما سحيت عليه.. وكانت بتبقى فرحة العمر لما يكون ليوسف فرنسيس قصة في الملحق، أو يكون مقدم لوحة من رسمه لقصة منشورة في الملحق.. او يكون له قصة ولوحة مع بعض! كنت بانهبل رسمي، وكنت باقصقص القصص اللي تعجبني والزقها في كشكول.. لسه عندي.

وطبعا أي حاجة مناسبة لفئة سني العمرية كنت باقراها.. او مش شرط مناسبة أوي، بس تكون مسموحة من الرقابة.. بمعنى انها منشورة تبع حاجة معروفة، وموجودة عند عم محسن بتاع الجرايد اللي كان على ناصية شارعنا.. ده كان بيخليها واخدة ختم الموافقة، فمن حقي أمد إيدي عليها اشوفها بتتكلم عن ايه، ولو لفتت انتباهي، ماما هاتجيبها لي واقراها ، ولو عجبتني هاتجيبلي ما يشبهها تاني.. وعموما زيارة فرشة عم محسن دي كانت متكررة، فماكانش بيغيب عن عيني أي مستجدات.

طبعا مش محتاجة أقول ان معرض الكتاب زيارة مقدسة من وانا عندي 8 سنين ولحد دلوقتي.. باكتئب لو حسيت، مجرد احساس، اني احتمال ماقدرش أروح.. بس كل سنة لازم ازوغ م الشغل او حتى آخد اجازة واروح!

يمكن كنت الطفلة الوحيدة اللي قرت "كتاب اليوم" و "كتاب اليوم الطبي" قبل روايات مصرية للجيب.. وكتب د. عادل صادق الله يرحمه، هي اللي خلتني حددت اتجاهي في الحياة، من سن 10 سنين، اني "هادرس" علم نفس.. مش "عاوزة ادرس" أو "بافكر أدرس".. لأ.. انا بكل حسم هادرس علم نفس.. بس ماكنتش محددة وقتها هايبقى عن طريق طب ولا آداب.. بس بمنتهى الأمانة الاتنين كانوا متساويين قدام عيني تماما.

ما بانساش نظرة الهلع في عين عم محسن وماما لما طلبت منه كتاب "نساء عاريات".. الراجل كانت هاتجيله سكتة قلبية! وماما لولا الملامة كانت لطشتني كف في الشارع، بس مسكت نفسها وسألتني "نعم؟!" قلت لها ده كتاب د. عادل صادق، تبع كتاب اليوم.. ويمكن كانت اول مرة اشوف حد بيتنفس الصعداء ساعتها.. طبعا الكتاب ده اتفصص قبل ما امسكه حتى، عشان يتأكدوا في البيت انه مش كلام "ابيح" ولا حاجة.. كان كتاب عن حالات لنساء في العيادة النفسية.. بس العنوان كان لازم يبقى لوذعي طبعا.

فاكرة في يوم شوفت د. محمد شعلان، أستاذ الطب النفسي، الله يرحمه، في السوبر ماركت.. وكنت هايغمي عليا من الفرحة كأني شوفت سوبر ستار! وماما اخدتني له وقالت له بنتي متابعاك في البرامج عشان نفسها تدرس علم نفس.. الراجل انتظر يشوف بنتها دي شابة راشدة مثلا، فوجيء ببطة صغيرة كده عندها 11 سنة فاندهش جدا بس كان في منتهى اللطف.. مش فاكرة قالي ايه من كتر ماكنت فرحانة ومبهورة.. بس فاكرة فرحتي كانت عاملة ازاي.

"القصة" اللي كانت بتدرس لنا في المدرسة كانت بتخلص في خلال يومين من استلام الكتب! كنت باحب اقراهم بعيدا عن الدراسة والامتحان والغلب ده.. ما عدا قصة الصقر الجريء -للي يفتكرها يعني - اللي كانت شنيعة، ما طيقتش اقرا فيها صفحتين وعشت انا والناس نتعذب بيها عذاب السعير طول سنة تالتة اعدادي.. يجحمه ده صقر مطرح ما راح!

في يوم ماما جابت لي عدد من أعداد رجل المستحيل.. لو كنت باملك من مفردات هذا الزمان حاجة كنت قلت لها: "ايه الهرت ده؟!" مين ده اللي قد الكف وبيقتل مية وألف وبيتشقلب في الهوا ويتفادى شحروميت رصاصة وهو بيركل حوالي اتناشر ألف واحد بيهاجموه في نفس اللحظة!! ماحبيتهاش لحظة! ولا زهور ولا عبير وما شابههم! كان "هرت" غير منطقي ولا مبرر خالص بالنسبة لي وأظن اني حتى ماكملتش العدد اليتيم اللي ماما جابته وقلت لها ماتجيبيليش العبط ده تاني! 

لكن في واحدة من زياراتي لفرشة عم محسن، لقيت عدد معنون "اين الشيطان".. من سلسلة ملف المستقبل.. يمكن كنت 12 سنة وقتها.. وكانت بداية قصة غرام بيني وبين المقدم نور الدين محمود وفريقه... وكانت صورة "نور" اللي كانت بتبقى في اول صفحة في الكتيبات، تاني صورة أرسمها في حياتي.. وكان الاستاذ اسماعيل دياب الله يرحمه هو من رسم صورة خيال فتى أحلامي... وبكيته بكاء حقيقي لما توفاه الله.

وإذ صدفة، وانا في رحلة البحث عن أعداد الصيف من ملف المستقبل، ولأن على ايامي ماكنش فيه مكتبات ناحيتنا خالص.. المكتبة هي المحل اللي بيبيع أدوات مدرسية وكتب خارجية فقط. أما كتب التسالي والقراية، دي ممكن تتوجد عند بائعي الجرائد فقط وبالصدفة، او بالكتير يعني، وعلى حسب المنطقة، في أكشاك توزيع الأهرام.. وفي هذا الصدفة المجيدة.. في صيف 93، صادفت أول كتيب من سلسلة ما وراء الطبيعة.. اللي لسه أصحاب لحد دلوقتي، وبقية كتابات د. احمد خالد توفيق.

مكتبة الأسرة هي الفضيلة الوحيدة اللي عملها النظام السابق على مدار 30 سنة! برغم انها كانت سبوبة للسرقة والمجاملات والتحيزات والحاجات المعتادة، المدموغة بالختم المصري في أي مشروع، لكنها برضه كانت نافذة على كتابات متعددة، منها الكلاسيكي اللي كنت بدأت أكتشفه وقتها، ومنها الحديث نسبيا.. وكانت فاتحة خير عليا.

أول كتاب أثر فيا وفتح عينيا على عالم الأدب، برة ملحق الجمعة وأعداد المؤسسة، كان من مكتبة الأسرة.. وللغرابة كان معنون "بنت الشيطان" برضه! مجموعة قصصية لمحمود تيمور، اللي وقعت في هوى أسلوبه من ساعتها.. 

ولأني باحب الشعر.. مكتبة الأسرة عرفتني على صلاح عبد الصبور وأمل دنقل قبل اللي كانوا بيدرسوا لنا عربي.. ده غير شعراء تانيين كتير، بس دول كان لهم أكبر الأثر على نفسي. 

مازلت لحد دلوقتي قارئة مخلصة للأدب.. رواية وقصة وشعر ونثر.. مازلت ماطورتش اي اهتمام بقراءة كتب عن السياسة أو التاريخ بصفتهما.. يعني اقرا رواية تاريخية أهلا وسهلا.. رواية ليها اسقاطات سياسية، ما يضرش.. وده نقص كبير طبعا، لكني ماكنتش مهتمة أعوضه زمان، ودلوقتي بقيت مش عاوزة أعوضه بعد اللي احنا عايشينه بنفسنا ده بقالنا كام سنة.

لما بدأت أشتغل، ميزانيتي اتسعت لشرا الكتب.. مابقيتش محتاجة اشتري كتاب مايزيدش تمنه عن 5-10 جنيه! وفاكرة ان اول كتاب غالي اشتريته كان بـ 80 جنيه.. كان كتاب the Zahir والكلام ده كان سنة 2005 او 2006.. والناس اتفزعت - فزع حقيقي - ازاي ادفع المبلغ ده في كتاب! 

حقاً وصدقاً، ده كان أول سبب يخليني احس بالامتنان لفكرة اني "باشتغل".. وقعدت اقول لنفسي، اللي كانت كارهة الشغل وكارهة المواصلات وبهدلتها بسبب الشغل: ما هو لولا الشغل ماكنتيش قدرتي تشتري كتاب بالسعر ده وانت راضية! كنت هاتقدري تروحي تطلبي مبلغ زي ده من ماما؟! لأ طبعا! يبقى تحمدي ربنا ع الشغل.. هو ده اللي هيخليكي تعملي اللي نفسك فيه.. اسكتي بقى وبطلي نواح! 

توالت الكتب بعدها بقى، بدون التفات لأسعار.. ولما كنت باركب مواصلات، كان الكتاب صديقي في الرحلة.. 

اللي خلاني افتكر الرحلة الطويلة دي، 31 سنة تقريباً، اني رجعت لصديقي الأول مرة تانية.. 

كنت كل ما اشوف عندي كتب قد ايه لسه ما قريتهاش، أتحسر، واحس بالذنب.. كأنهم اصدقاء ما بسألش عليهم.. وكنت فعليا أكلم الكتب واقولهم، حقكم عليا، مصيرنا نتجمع.. وافكر، هو انا هاجيب وقت منين لده كله؟ فكنت أحس بالغيظ من الوقت اللي بيضيع في الشغل.. كنت باحس، ومازلت، شايفة ان الوقت ده أولى بيه القراءة والسينما بشدة.. واني لو ألاقي ما يقيم أودي، لتركت العمل بلا لحظة تردد ولا تفكير وتفرغت لما أحب.

رجعت لصديقي الأول عشان بطلت أسوق، ورجعت أركب مواصلات من تاني.. وهي دي ميزة المواصلات الوحيدة على الاطلاق! 

لا أبالي اطلاقا بمن حولي، فأبكي او اضحك بحسب ما يمليه علي صديقي في المواصلات دون تفكير كثير او قليل في فضول الناس وما يفعله بالناس..  

اللي شاغلني بقى من فترة، ان ازاي الواحد بيحن للأصحاب القدامي.. ده طبيعي وبيحصل.. بس كام صاحب قديم لك عنده استعداد يقبلك ويستقبلك بعد غيبة، وبنفس الحب والاخلاص؟ من غير ما يعاتبك ولا يأنبك؟ مافيش! انا نفسي باهري اللي يغيب واللي يتأخر عتاب وتأنيب.. أو كنت.. دلوقتي بطلت.

هل فيه روابط بتتخلق بيننا وبين "الحاجات" اللي بنحبها فعلا، أقوى من الروابط اللي بتتخلق بيننا وبين "الناس" اللي بنحبهم؟ 

هل للأشياء ذاكرة قادرة على الغفران والتجاوز، لا يمتلكها الناس؟ 

لأسابيع، كنت -ومازلت- مشدودة جدا، وباقاوم انفجار الغضب جوايا، لأني مش عايزة أرجع أبقى شخص غاضب تاني.. أيا كانت سخافات الدنيا والناس ما تستاهلش.. هكذا أُذكر نفسي.. لكن الصراع ده مخليني صبري قليل، جدا، اكثر من المعتاد.. وقدرتي على تحمل البشر وسخافاتهم واستخفافاتهم ضئيلة جدا.. صراع مستمر بين الغضب والسيطرة عليه.. عشان نفسي قبل ما يكون عشان "ماحدش يزعل مني".. صراع مستمر بين رفض "رثاء الذات" والعودة للشكوى والبكاء وبين تذكير النفس بإن "هذا، أيضا، سيمُر" وعليه، لا داعي للغضب او الانفجار اللي مش هايضر حد إلا انا..

الصراع ده ما بيسكتش غير لما أمسك كتاب واقرا.. كأنه شخص فضولي راكب جنبي في المواصلات، أول ما افتح كتاب ينهمك في اللي باقراه معايا، وينسى انه كان لسه بيتخانق.. ينتبه انه كان بيتخانق لو بصيت من الشباك مثلا، أو لفت نظري حد بيقول او بيعمل حاجة.. فارجع بسرعة أحاول اسيطر عليه تاني واقوله: "بص، كتاب اهو" فيسكت..

يتقد ويفنجل ويبقى على أهبة الاستعداد للانفجار وانا باتعامل مع الناس.. ومحاولاتي المرهقة للسيطرة عليه بتبقى في ذروتها.. ثم يخمد بمجرد ما اطلع الكتاب من شنطتي..

امبارح، لأول مرة من أسابيع، أحس بهدوء واستعيد سلامي النفسي المفقود، واللي كنت وصلت له بشق الأنفس، لما اشتريت كتب كتيرة ومشيت دراعاتي هاتقع من تقل الشنط اللي فيها الكتب.. حسيت اني خفيفة برغم تقلهم.. حسيت اني راضية عن العالم، برغم الزحمة والحر والمشوار وما زادني رهقاً من سخافات الناس..

تلقاني الصديق القديم بنفس راضية مرة أخرى.. لا لوم ولا عتاب ولا تأنيب.. طبطب عليا.. خدني في حضنه ورجعني العيلة الصغيرة اللي كان لها الورق صاحب.. أثبت لي انه هو الأوفى.. مش عشان الناس وحشة، لكن عشان هو الأحلى..  

شكرا يا صديقي على وجودك في حياتي.. 

شكرا لكل صديق لقيته جنبي وقت ما كنت بابقى كارهة الحياة، وحاول يرجع لي احساس بالامان والهدوء.. سواء كان من ورق او من لحم ودم.. وأوعدكم، اني هاحاول اصفي حياتي من أي ناس/حاجات بتاخد مني وقت انتوا أولى بيه..