عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Wednesday, October 8, 2014

فَعُذرُنا...


إهداء للبنت اللي بتشوف الواد إياه - يحميه لشبابه - فترتبك وتتلخبط، ودقات قلبها تتجنن، واطرافها تتلّج وماتنطقش ولا كلمة.. إلا بعينيها... 
######

"دايما مشغول في حاجة... مابترفعش عينيك.. مابتشوفنيش"*

######

وجه جديد في الدرس.. ماكانش بيحضر طول السنة.. ظهر فجأة في حصص المراجعة النهائية.. اللي هم آخر حصتين!

الوحيد اللي ما بصش مرتين، ولا حتى مرة، للبنت اللي كان كل الولاد في الدرس ملمومين حوالين شقاوتها اللي غلبت سنها الصغير..

قعد في حاله بعيد عن الكل.. طبعاً لفت نظر المدرس اول ما دخل..

مش عشان حضوره اللي فرض نفسه في وسط المجموعة من غير ولا كلمة.. ولا عشان راسي وتقيل وشكله مش خفيف زي باقي الموجودين من سِنّه.. ولا عشان شعره الاسود الناعم اللي ماكانش عامله زي تسريحة أي حد من المطربين.. ليه لفت نظر المدرس.. أو نظرها؟ ماحدش عارف!


- "انت اول مرة تيجي! اسمك ايه؟"

- رامي

- طيب تعالى قدامي هنا يا رامي


طبعا الكل استغرب تصرف المدرس.. رامي طويل - يحميه لشبابه - مش هيتضايق لو قعد في تاني صف ولا حتى آخر صف! طيب واللي وراه يشوفوا ازاي؟!

لقيت نفسها متلخفنة ومتلخبطة ومتوترة.. اصل ماكانش فيه حد قاعد في الصف اللي قدام غيرها.. الصفوف مش كتير صحيح، بس كمان عددهم مش كتير.. فكل واحد قعد في مكان براحته.. كده، هايبقى بينهم كرسي واحد بس.. كرسي واحد!

مَر من ورا لقدام عشان يقعد مكان م المدرس قاله.. اتاخرت بالكرسي شوية عشان يعرف يعدل كرسيه.. عينيه مرت على وشها.. قام وشه احمرّ! وهي بسرعة دورت وشها الناحية التانية أحسن حد ياخد باله.. ياخد باله من ايه؟!! ولا حد فاهم حاجة

-"انت في مدرسة ايه؟"

- "بيقول اسم المدرسة اللي نسيته دلوقتي.. طبعا! ماهو عدى عُمْر!" 

- "وناوي تدخل كلية ايه؟"

- "هندسة"

- "فاضلك كتير على مجموعها"

- "لا.. لو قفلت المادة دي"

- "بابا مهندس وعاوز تبقى زيه؟"

- "لا بابا مدرس رياضة"

- في مدرسة ايه؟"

- "متوفي"

كان اول حد تشوفه من سنها، يتيم... كانت بتحس ان اليتم ده ماينفعش يحصل للي في سنهم.. يا يبقوا صغيرين اوي، يا يبقوا كبار أوي.. لكن في النص كده مش عدل! لا منهم اصغر من انهم يفتكروا اللي راح.. ولا كبارفيقدروا يقولوا انهم عرفوهم كفاية..

كانت على وشك تمد إيدها تطبطب عليه.. لكن يادوب قدرت تمد عينيها ناحيته... كان رافع راسه كأنه عايز يخليها اعلى من ايد اي حد عايزة تطبطب عليه.. وقبل ما تدور وشها، لمحته بيبص لها بطرف عينه.. بس ماحدش عارف ليه ايديها تلّجت فجأة في عز الصيف في اللحظة دي..

خِلِص الدرس.. خرجوا كلهم يعملوا زيطة.. المدرس كلمها كلمتين فخرجت متأخرة بعدهم.. لقيته واقف برة بعيد عن المجموعة، وبدأ يتحرك لما خرجت من الباب..

فضل ماشي قدامها وكل كام خطوة يبص وراه.. يلاقيها وراه، يكمل مشي.. 

وصلت عند بيتها.. وقفت شوية.. مسافة خطوتين أقل.. لحد ما بص وراه.. لقاها بتعدي الشارع.. وقف لحد ما دخلت البيت وبعدين كمل مشي... 

وماجاش الحصة التانية!

######

لون قميصه.. طوله.. شَعره.. شوية ملامح.. وإسم.. دول اللي فضلت فاكراهم عن الولد الغريب اللي ماجاش تاني حصة مراجعة، مع انه كان محتاج يقفل المادة عشان يدخل هندسة... 

######


رايحة هي وزميلتها يصوروا ملزمة مادة ما.. طبعا مش فاكراها! ماهو عدى عُمْر!!

دخلوا محل التصوير.. اللي كان ورا الجامعة.. هم لسه فيه منهم ورا الجامعة؟ الله أعلم! 

الولد استظرف عليهم.. كتمت غيظها رغم انها كانت عايزة تسمعه كلمتين تعرفه مقامه.. اخدوا ملازمهم وخارجين وهي ودانها بتطلع دخان م الغيظ وصاحبتها بتراضي نفسها وتراضيها بكلمتين.. خبطت في عينين..

اتلخفنت واتلخبطت واتوترت.. والعينين كانوا في وش ابيض منور، فجأة احمرّ... 

ليه الممر ده عدى بسرعة كده؟ كان لازم تبقى بتمشي بسرعة وهي متعصبة يعني؟! حاولت تهدي من خطوتها شوية.. المرة دي كان وراها.. 

ايديها تلّجت، برضه في عز الصيف.. "مال ايديكي تلجت كده ليه؟" ٍالتها صاحبتها وماعرفتش ترد... 

بصت وراها لقيت وشه باصص عليها من وسط الزحمة.. اتلخفنت اكتر وثبتت مكانها..

- "انتِ نسيتي حاجة هناك ولا ايه؟!"
- .......................

مشيت خطوتين كمان ولما بصت وراها تاني... مالقيتش غير الزحمة...


######

- "وبعدين يا خالتو؟! ماتقوليليش انك مشيتي!!!! "

- طيب كنت اعمل ايه؟ اصلا كان هيفتكرني ازاي بعد اربع سنين؟!! ولا كنت هاقوله ايه؟؟

- تكلميه!! تقولي له كنا بناخد درس سوا مثلا!!!

- على حصة واحدة اقوله كنا بناخد درس سوا؟! مش مفقوسة شوية؟! 

- مفقوسة بقى ولا مش مفقوسة.. المهم تكلميه! تفتحي مجال لحوار!! 

- يا سلام يا ست الجريئة!! وكانت فين الجراءة دي النهاردة مع "يحميه لشبابه"؟؟ 

- هه؟!!! إحم... 

- شوفتي بقى؟! آديكي اتلخفنتي واتلخبطتي واتوترتي ع السيرة!!.... انا بس كان نفسي أعرف راح هندسة زي ما كان نفسه ولا لأ!!

- ......... تفتكري ايه؟!

- .......... انتِ بقى هاتعملي إيه؟! ناوية تستني اربع سنين؟!

-ـ .........

- طيب... تصبحي على خير...

##############

* قالت له كده لما قررت تعترف له.. بعد سنين كتير... 

###########



1 comment:

Unknown said...
This comment has been removed by a blog administrator.