عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Thursday, April 23, 2015

لا شكر على...

ماذا يعني أن يشكرك أحدهم على مشاعرك نحوه؟

أيا كان كنه هذا المشاعر، سواء أكانت تقدير او حب او صداقة او أمومة؟

ولا أقصد ان يعبر عن امتنانه لمشاعرك او يبادلك اياها.. ولكن أن "يقول" لك "شكرا"... 

ماذا يعنيه ذلك؟ 

أتفهم ان أتقدم بالشكر لمن يقدم لي "خدمة" ما أو يوفر لي شيء ما.. ولكن كيف أشكر أحدهم على "مشاعره" والتي قد تترجم أفعالاً أو تبقى قيد التعبير بالكلام.. 

تخيل الأمر انك تقول لأحدهم "أنا أكرهك" وكان رده عليك بـ "شكراً"... ماذا يعني هذا؟ هو يسخر منك بالتأكيد! يرسل لك رسالة أن كراهيتك له أقل من أن تؤذيه أو تلفت انتباهه حد الانزعاج او اتخاذ رد فعل بأكثر من كلمة تؤدى بآلية تامة.. 

"شكراً.. انت أتفه من تهمني كراهيتك لي! انت لا تشغل هذا الحيز من تفكيري لكي يزعجني انك تكرهني، أو أن أنشغل بكيفية تصحيح الوضع، وتحويل الكراهية الي قبول او مشاعر إيجابية أخرى.. شكرا لأنك أخبرتني كي لا أهتم بمجاملات فارغة"

شكراً

إذا ماذا لو كان ما قلته هو "أحبك" وكان الرد عليها بـ "شكرا"... ماذا يعنيه ذلك بحق السماء؟!

"شكراً.. انا أعرف اني شخص رائع، يهيم المحيطون بي حبا ويتيهون بي غراما، فشكرا على تأكيد المعلومة"؟ "شكرا لانضمامك لقائمة المعجبون"؟ "شكرا على قيامك بواجبك تجاهي.. انا فعلا أستحق ان أكون محبوباً منك، فشكرا لأنك لم تخيب ظني"؟ 

ماذا تعنيه هنا؟! 

برغم حرصي الشديد على الآداب البائدة من نوعية "شكرا، ومن فضلك، وبعد إذنك" إلا اني في مثل تلك المواقف أجد هذه الـ "شكراً" قمة في الإهانة! او الاستهانة!

"شكراً لاهتمامك" كم هي باردة تلك الجملة حين تخبر أحدهم انك قلقت عليه حال مرضه/انشغاله، أو أنك تود ل تساعده في هذا الأمر أو ذاك.. ساعتها، تبدو شكرا كأنها صفعة! كأنها نظرة شذر تنزع عنك أهلية الاهتمام والمساعدة.. كأن لا حق لك في ذلك.. من انت لتهتم؟ انت أقل من ان تقدم مساعدتك شيئاً.

حين تقابلني إحدى هاته الـ"شكرا" أحاول ان أعبر اني لا اريد شكرا منك بل غاية مناي ان أوصل لك حقيقة تعتمل في عقلي او قلبي او الاثنين معاً.. ولكن أفشل! أشعر بالاهانة والغضب.. كأني أقدم يدي لك مصافحة فتهملها او تصافحني بأطراف اصابع باردة مشمئزة.. أو كأني اقترب لأقبلك فتشيح بوجهك عني كأني مصابة بعدوى ما!

أشعر بغضب شديد! أود لو أصرخ..

أفكر، إن الناس يختلفون عن بعضهم.. ليس كل الناس مثلك تشعر بالاهانة من "شكرا" في مثل هذه المواقف.. هم لا يقصدون سوءا.. هم يعبرون عم امتنانهم بطريقتهم وهذه هي الطريقة التي يعرفونها.. فأصمت... لا ابتسم ولا احر رداً..  

أحاول تفادي "الشكر" في مثل هذه المواقف بالدعاء والثناء على من "يعبّر" او "يحاول".. فأتحوال إلى شحاذة منبرية في الدعاء بحماس لمن يتصدق إليها.. ولا أهتم حقيقة ان  يبدو الأمر كذلك.. ولكني لن أرد مصافحتك باهمال او اشمئزاز.. وان قاربتني بقبلة سألف ذراعي حولك..  أتذكر جملة قرأتها لـ مريد البرغوثي: “ليس هناك ماهو موحش للمرء أكثر من أن يُنادى عليه بهذا النداء "يا أخْ".. ياأخ هي بالتحديد العبارةُ التي تُلغي الأخوة !”
وهكذا أشعر نحو هذه الـ"شكرا".. انا غريبة.. لم يسمح لي بالاقتراب بعد..

الحدود الفاصلة أكثر اتساعا من تعبير عن مشاعر او عرض المساعدة او اظهار الاهتمام، مهما كان أي منها حقيقي، وبلا غرض خفي من ورائه! أنا اقول هذا الآن، لأني أعنيه هنا والآن..

لم تشكرني على أفكاري تجاهك؟ لماذا تشعرني اني اؤديها على سبيل الخدمة او الواجب، ليس لأني أعنيها واقصد أن أنقلها إليك لنأتنس بصحبة او تأتنس افكارنا وأحزاننا ببعضها على الاقل.. لماذا قد تنفي عني اي أمل في حميمية أتبادلها معك بهذه الـ"شكرا"؟! ألا تشعر بقسوتها؟ حقا؟! لماذا إذا أشعر انا بقسوتها كأنها سوط على جلدي؟!!

حساسية زائدة مني؟ على الأغلب ان الأمر كذلك.. ولا داع لكل هذه الدراما..  صحيح ان "الحياة تستعصي على التبسيط" ولكن لا داع لكل هذا التعقيد..

من اليوم، كلما عبرت عن افكاري/مشاعري/أمنياتي تجاه أحدهم وكان رده "شكرا"، سأدرك حجمي.. وسأعرف اني غريبة عنه.. في صمت..

لن أرد الـ"شكرا" بـ"عفوا" تزيد من اتساع رقعة الغربة بيننا..
ولن أردها بابتسامة تجعل الصقيع يدب في أوصال العلاقة..

هو الصمت الرد المناسب على كل هذه الغربة.. وسأصلي لله في قلبي أن يمحو هذه الـ"شكرا" من قاموس المقربين مني الذين أصلي من اجل دوام نعمة وجودهم بحياتي.. ولتكن  صلاتي هي تعبيري الوحيد عن ما أكنه لهم.. حتى وإن لم يعرفوا ذلك أبداً..