عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Thursday, October 8, 2015

استبصار أم هروب؟


أعتقد اني من ساعة ما تكون لي شوية وعي، وانا بنسبة كبيرة عارفة انا عاوزة ايه.. وللدقة، عارفة انا "مش عاوزة" ايه.. 
بنسبة كبيرة عارفة انا اقدر على ايه كحد أدنى على الاقل.. واوقات بافاجيء نفسي قبل اللي حواليا بحاجة زيادة عن اللي تصورت انا و/أو هم اني اقدر عليه.. وده بقى سواء في الشغل او في الحياة الشخصية.. وأظن ان ده اللي بيزعل/بيخوف ناس كتير مني.. الاستبصار.

فكرة انك تبقى رجليك على الارض (حتى لو راسك بين النجوم طول الوقت، وانت صاحي قبل ما تكون نايم.. يعني أحلامك ما بتنتهيش) دي، اتضح انها مش سهلة.. مش سهلة في استيعابها ولا سهلة في التعامل معاها.. وكل ما بتزيد، كل ما بيزيد مستوى الصعوبة.

لأنك ببساطة، بتحدد الخط اللي انت ماشي عليه أكتر.. وبتمسك فيه أكتر.. وحتى لو غيرته بعدها شوية، خطك الجديد بتبقى ماسك فيه بنفس الطريقة! 

كتير ده بيبان عناد وتكبر، في حين انه تطبيق حرفي لـ "رحم الله امرء عرف قدر نفسه".. مع شوية قدرة على اني اقول الكلام ده بصوت عالي، والتزم بيه بدرجة كبيرة

الأفضل اني ما اتسببش في الأذى لحد.. الأفضل اني ماعملش حاجة مش متأكدة اني اقدر أعملها بنسبة كبيرة كويس، خصوصا لو حد غيري معتمد عليها او نتايجها هاتأثر عليه.

لما قررت اتعلم غطس وانا كنت باخاف من البحر وباغرق فيه زي الطوبة، كانت مفاجأة للجميع وأولهم انا!! بتهببي ايه وانتي لو رجلك ما طالتش الأرض بتترعبي وتغرقي نفسك؟! 
بس حماسي لاكتشاف العالم ده ساعدني اني اتجاوز المخاوف دي.. والأهم، ان مافيش حد هيتأثر من حاجة زي دي! مش هاسبب أذى لحد، غير نفسي لو حصل.. وده بيطمني بدرجة كبيرة فباقدر أجرب.. 

لما بتتعرض عليا مسئولية شغل، باشوف نتيجة المسئولية دي هاتأثر على مين؟ طيب هاتأثر على ايه، حقوق الناس مثلا وتأدية أمانة؟ لو مش هاقدر ابقى قدها بارفضها تماما وكلية.. لكن لو مجرد حاجة جديدة مافيهاش حقوق وأمانات، باقدر اشجع نفسي اني اجربها على اساس التعليم، وان مافيش حد هاينضرّ.. وصديق ليا مرة قالي: "طالما مافيش حد هايموت بسببك، يبقى كله هايعدي".. وكلامه لاقى صدى في نفسي وبافكر نفسي بيه كل شوية.. 

ده على مستوى الشغل ومسئولياته.. وبشكل عام، وبعد 11 سنة شغل وحرقة دم، تأكدت بدرجة كبيرة ان الشغل ده المفروض يكون آخر اهتمام الواحد.. من غير تقصير لأنه أمانة هانتحاسب عليها، وعشان سمعتك كشخص بيشتغل.. لكن طول ما انت بتشتغل في شركات ناس، ماتحرقش روحك عليه ولا عشانه.. بجد الشغل بيروح وييجي والفلوس بتروح وتيجي وحاجات ولا ليها أي لازمة انها تاخد من وقتك ومجهودك اكتر مما تستحق! لو مشروعك، اه، اتعب له واتعب عليه لحد ما ينجح ويكبر.. غير كده مالوش معنى غير دوران في ساقية.. كده كده هاتدور وكده كده هاتجيب مياة.. انك تهري روحك عشان تدورها مش هايخليها تجيب مياة أكتر ولا اسرع! فبالراحة وحبة حبة يا ملواني.. 

أما على المستوى الشخصي، فالموضوع غير كده خالص!

انك ترتبط بانسان تاني وانت عارف انت عاوز ايه ومش عاوز ايه، دي مصيبة!! بيبدأ يتصور انك بتتنطط عليه، وانك مخطط ودارس وكأنك بتتآمر عليه، فيبدأ هو يلوّش بقى ويعمل فيها كرومبو عشان "يكشف" مؤامرتك دي! خصوصا لو هو ماعندوش ثقة في نفسه، او اللي عاوزينه او مش عاوزينه مش زي بعضكم... 

انك تلاقي حد بيقولك مبررات خايبة ولا بيألف عليك حكاية كذب وانت تبقى كاشفه، وهو يحس انك كاشفه، يبتدي يقلب عليك ويطلع فيك القطط الفاطسة.. لأن ببساطة ماحدش بيحب يبقى مفقوس!

انك تقول لحد ان اللي بيعمله ده غلط وهايتسبب في مشاكل كذا وكيت، وتحاول تنصحه او حتى تقترح عليه اقتراحات أفضل.. يروح برضه قالب عليك وتتحول قدامه لشيطان رجيم.. لأن ببساطة ما حدش بيحب يبان غلطان ولا ان فيه حد بيفكر أحسن منه! في الشغل او في الحياة وأي كانت علاقتك بالشخص ده ايه.. الا من رحم ربي ودول قِلة نادرة فعلا!

انك تعترف بغلطك وتعتذر عنه او تتحمل مسئوليته، وانك تقبل ان حد يقولك انت غلطت في كذا فتقوله ايوة معاك حق، فيه ناس بتشوفها مؤامرة برضه من ناحيتك وتنطيط.. انت هاتبقشش عليا بكرم أخلاقك ولا ايه؟! ولا بتعمل كده عشان توقعه هو في الغلط لما يآمن لك!  ويبتدي يعمل فيها كرومبو - برضه - عشان يكشف مؤامرتك ويفضح نواياك الشريرة.

الناس ما بين معذورين وما بين مجانين.. المجانين، سيبهم في حالهم دول مافيش أمل فيهم.. والمعذورين، اللي من كتر اللي شافوه من زبالة الناس، ما بقوش يصدقوا ان فيه حد كده، وانه بالضرورة بيمثل وبيرسم علينا الدور.. دول مصيرهم يفهموا.. وان مافهموش ماتبكيش عليهم.. 

لكن احقاقا للحق، أوقات كتير باقول الغباوة حلوة! ليه يبقى الواحد فاهم نفسه، وعارف حدود قدراته؟ ليه انا مش عايمة في مية البطيخ، وهارية نفسي تفكير طول الوقت عشان ما اتسببش في أذى لحد غيري على قد ما اقدر، وان اتسببت بغشومية او سوء تقدير بافضل نازلة تأنيب في نفسي العمر كله ولو على كلمة، ليه "شايفة" بزيادة كده؟! 

ليه ما بافوتش الغلط؟ واقول "مش مهم، هو انا يعني اللي هاعدل المايلة" ومتصورة ان الكلام والنقاش والتوضيح ممكن فعلا يصلحوا الدنيا، خصوصا وماحدش بيقبل لا الكلام ولا النقاش ولا التوضيح؟ 

 وساعات أفكر، هو ده فعلا استبصار، ولا انا باهرب من المسئولية؟ 

يعني مثلا في موضوع الأطفال.. انا ما باحبش الاطفال! باحترمهم، لكن مش باحبهم.. ولا باستوعب فكرة ان حياتي تتشقلب عشان عايزة أخلف او خلفت!! ليه عشان ايه يعني؟! ايه وجه الاستفادة اللي هاستفيدها لو خلفت؟ وايه الفائدة اللي هاتعود على العالم من خلفتي؟! لحد دلوقتي مش شايفة لها لازمة ولا فائدة ومقتنعة بده جدا.. ده بعيدا عن فكرة ان خلفة وتربية طفل دي مصيبة لوحدها!! دانا بالعافية باكتشف نفسي وباربيها تبقى "أحسن".. اقوم أروح مخلفة كائن لا حول له ولا قوة، ومعتمد عليا كلية، وادلدق عليه كل مشاكلي وعفاريتي؟!! طيب هو ذنبه ايه؟؟ 

ده بقى ايه؟ هو ادراك لحجمي وقدراتي ولا هروب من المسئولية دي؟ 

هل ده كويس ولا المفروض الواحد ما يفكرش ويرمي من ورا ضهره تماما واللي تجيبه الدنيا يمشي فيه وخلاص؟! 

ده استبصار فعلا ولا معاندة؟ خوف ولا تكبر؟ احساس بالمسئولية ولا هروب منها؟ 

حقيقي مش عارفة.. 

كل اللي عارفاه اني باطلب من ربنا يرزقني البصيرة دايما.. واني اشوف عيوبي على حقيقتها وأقدر اصلحها او ابطلها.. وان بصيرتي تبقى على نفسي اكتر من اي حد تاني وما اتسببش في الأذى لحد لو كلامي هيؤذيه، ويلهمني اني اقول الصح والحق بالطريقة الصح لو هاينتفع بيه ولو بني آدم واحد.. والأهم ينجيني من نفسي ومن غرورها.. وينجيني من شرور ما كسبت وما اكتسبت..   



No comments: