عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Sunday, July 26, 2009

مرور

الجو خانق بكل ما فى الكلمة من معان! لا توجد نسمة هواء ولو ضئيلة كما ان الرطوبة تكاد تصل الى مئة بالمئة و ربما أكثر لو أن شيئا كهذا موجود فى الطبيعة! د
د
د
تشعر بحرارة محرك السيارة تكاد تحرق قدميها رغم ان مكيف الهواء يدور منذ مدة وبشكل اعجازى ما تمكن من اخراج واء بارد من فتحات التهوية .. كيف؟ لا تعلم! ولكن تلك الحرارة المتسللة من المحرك تنبئها كم تبذل السيارة الصغيرة من جهد كى تبقيها فى درجة حرارة جيدة تميل الى المنعشة
د
د
تفكر ... مسكينة يا سيارتى! أعذرينى على هذا المجهود .. لا اطيق مجرد فكرة اغلاق المكيف .. لن أتحمل حرارة الجو مع هذا المرور السلحفى القاتل كما الحرّ ... تحملينى يا صغيرتى كما أتحمل نفقاتك و أقساطك .. د"يا ستى اعتبرينا خالصين" د
د
هكذا تحادث سيارتها سراً و تطيعها الصغيرة تفهماً وحبا بلا شكوى سوى حرارة المحرك الصادرة رغما عنها
د
د
و لأنها تحاول الوصول الى وسط المدينة .. أو الى اى مكان تسمح به حالة المرور - ان سمحت أبدا - ولأن المرور سُلحفى البطء .. تجد لديها الفرصة لتأمل ما حولها من سيارات و بشر و وسائل مواصلات مكتظة بأجساد قد لا يُرى منها سوى أذرع و ربما ساق هنا او هناك لا تدرى لمن تعود و كيف صارت الى هذه الحال .. لكنها تنبئك بحال صاحب تلك الساق و كيف يؤدى فقرته البهلوانية الآن محاولا الاحتفاظ بمكانه فى تلك الحافلة او ذلك الميكروباص
د
د
ترى حولها بضعة سيارت مغلقة زجاج النوافذ ايضا مثلها مما يدل على مكيف هواء يؤدى ايضا فقرة بهلوانية لابقاء جو السيارة محتملا لركابها بشكل ما فى هذا الجو .. و ايضا كثير من سيارات صُنعت فى سنوات كان فيها مكيف هواء السيارة درب من دروب الخيال العلمى فبقيت نوافذها مفتوحة فى بؤس ليمر خلالها عادم السيارت المحيطة مع ما يجود به هواء العاصمة من خيرات تلوثية متعددة الاصناف
د
د
تلتفت فترى ركاب الميكروباص المجاور الملاصقين لتلك النوافذ التى لا ينفتح معظمها اصلا فيزيد من سوء الحال اضعاف ... تراهم يتأملونها .. يطلون من نوافذهم المغلقة رغما عنهم مؤدية عمل صوبة زجاجية بجدارة تتبدى واضحة على جباههم على شكل أخاديد من عرق تكاد تشمه أو من خلال شعيرات انتثرت مبللة هنا او هناك على جبهة هذا أو من تحت "تحجيبة" تلك و تبدت ملتصقة على جبهتها
د
د
تدير رأسها عنهم بعد التفاتة قصيرة و تشعر رغما عنها بالعيون تحرق جانب وجهها .. تنفض عن نفسها الشعور بالتفاتة الى الجانب الآخر من الطريق .. تجد حافلة متهالكة تخص احدى الشركات .. تدلى من نوافذها ركابها طلبا لاى شذر من هواء يبقيهم على قيد الحياة حتى وان كان ملوثا و يتطلع بعضهم اليها .. أقول بعضهم لان البعض الآخر راح فى نعاس ما على هذا الوضع او انشغل بحوار مع جاره فى الحافلة ايضا من خلال التدلى من نوافذها
د
د
تتحرك السيارات قيد أنملة فتجد لنفسها منفذا يبعدها عن مرمى النظرات .. تحاول ان تغنى مع صوت الراديو متلهية .. ولكن تتزاحم فى رأسها الصور الحية الحالية فتمنعها من فعل اى شىء سوى الترقب والانتظار
د
د
لماذا هذا الشعور بالذنب؟! تتساءل ... ألم تمر عليكِ سنوات من نفس رحلات التعذيب ما بين ثلاث وسائل مواصلات نزولا لاى مكان و اربعة للعودة من هذا المكان الى البيت؟! عشت نفس الظروف غالبا فى ذات الحافلات و الميكروباصات بعينها .. فقط لو استطعتِ تبين السائق لاكتشفتى انك تعرفين ملامحه من كثرة ما ارتدتِ سيارته كـ "كعب عالى طالع" أو "جنيه هناك أهو .. هاته"!!دد
د
كم من مرات تسبب نفس الزحام بنفس العوادم و نفس الوجوه فى تأخيرك عن العمل؟! و اضطروك للجرى مسافة وراء سيارة العمل لتلحقيها والا ضاع عليك تعب شهر من العمل بسبب يوم واحد!! كم من مرات تشاجرت مع راكب يتشابه مع عدد من تلك الوجوه المحدقة بزجاج عزيزتك الصغيرة لانه يحتاج أن "يتربى من أول و جديد" أو " مش هشيل الشنطة اللى جنبى" لانها "مضايقاه فى القعدة" و مطلوب منك ان تسمحى له أن "يرتاح فى القعدة" و يميل عليكِ لـ"ياخد راحته شوية"!! كم من مرات بالله عليك؟! د
د
د
تتذكر .. فلا يسعها الا ان ترفع الدعاء عاليا الى الله ان يحفظ لها صغيرتها التى طال انتظارها لها عشر سنوات طوال مروا بشتى صنوف المواصلات و ما يتبعها من أذى و عذاب وامتهان لانسانيتها و الأنكى أنوثتها .. "يارب ما تحوجنيش تانى .. يارب وحياة حبيبك محمد ما تذلنى تانى بعد ما أعزتنى" د
د
د
تحملها أفكارها للأقساط ... آه لو تعلمون أيها المحدّقين أنى لم أملكها بعد .. و انى مازلت أضع سيف بنك مرابٍ على رقبتى فقط لانى لم اعد احتمل مزيد من امتهان .. آه لو تعلموا انى فى يوم لم يتبقى لى بعد عناء شهر كامل من عمل سوى عشرون جنيها بعد دفع الديون فقط لاحصل على مساحة خاصة بى تكفل لى أن احمل صفة الانسانية فى شوارع العاصمة .. آه لو .. ولكنكم لا تعلمون و لن تعلموا .. فلكم أفكاركم و لى أحوالى
د
د
د
تصفًّ سيارتها فى موقف الميدان المزدحم دوماً و تمشى متجهة الى المركز التجارى الكبير .. تلفحها حرارة الجو فور ترجلها من السيارة تشعر لحظيا بأثر الرطوبة على وجهها و كأن أحدهم القى على وجهها بدلو غراء .. تحث الخطى فى اتجاه المركز التجارى لكى تهرب من الحرارة سريعا .. تمر خلال موقف الحافلات فى طريقها رغما عنها.. و رغما عنها ايضى لا يبدو عليها فعل الحر والرطوبة كما يبدو على كل مخلوق متواجد الآن فى الشارع و بخاصة رواد الموقف الذين لابد وانهم منتظرين منذ الأبد حافلات تبدو مع الحر وكانها لا تأتى أبدا .. تلتفت اليها بضعة اعين هنا وتدور مع حركتها بضعة رقاب هناك .. فقط استغرابا لكونها مهندمة على الرغم من الحر الذى يقضى على اى هندام .. تزيد من حثها لخطواتها حتى تمر....د
د
د
تتذكر ساعات قضتها فى نفس الموقف أحيانا تصل لاربعة .. تشعر بما يشبه الحنين تجاه أخوتها فى العذاب ... تبتسم لدى رؤية رقم 32 على جانب احدى الحافلات .. ترى نفسها و هى تجرى ورائها من مخرج الموقف وحتى منتصف الشارع الذى يليه لتلحقه حتى لا تضطر للانتظار ساعتين لحين مجىء الحافلة الأخرى التى تحمل نفس الرقم
د
د
تحث الخطى مجددا محاولة مداراة الابتسامة التى علت وجهها مع رؤية الرقم .. تتجاهل متابعة النظرات لشكلها الذى لا يبدو عليه الحرً .. و الأهم ... أنها تقاوم رغبة ملحة قهرية .. تكاد تكون خبيثة .. فى ان تخرج مفتاح السيارة من الحقيبة لتمسكه بيدها مزهوة ... و ربما ادارته فى تلذذ امام نافذة الحافلة التى تحمل الرقم 32 فقط لتخبرها انها لم تعد فى حاجة لانتظارها مرة أخرى .. و لتشرح للناظرين لماذا لا يبدو عليها المعاناة تحت وطأة الحر مثلهم .. و ...
د
د
لكنها تذكرت مكانها فى وسط نفس الجموع يوماً ما .. فتلاشت الابتسامة من على وجهها و طأطأت رأسها ... د
د
قهراً .... د
د
د
د

1 comment:

hadeir said...

ههههههههههه
ايه الحقد ده
والله بتغاظ قوى من الناس اللى والواحد سايق يقولو براحه هو عشان معاكم عربيات هتفتروا علينا :(
يا عنى يا ابن الحلال انا اتولدت فى العربيه دى ماكيد طلعت عينى عشان اشتريها تيجى انت تحسدنى :)
ربنا يسامحمهم يارب