عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Thursday, December 25, 2014

يوسف


"قد شغفها حبا"


قابلتني هذه الجملة مصادفة وانا أهيم متصفحة بلا هدف...

توقفت أمامها كثيراً... "شَغَفَها حباً"

هو يوسف وقد قطعت النسوة أيديهن حين خرج عليهن.. هذا أمر طبيعي!


ولكن ما باُلكَ أنت شغفتني حباً؟


لست بيوسفٍ.. لا حُسنا ولا نبوة.. لست ابن يعقوب، وان كانت الدنيا قد لطّمتك يتيماً وتشتت بك السبل كابن يعقوب بعد أن أكله الأخوة الذئاب....
تقبع مستوحداً متوحداً في غيابة جب أحلامي، شغفتني حباً وغبت.. لا أملك حتى أن أراودك عن نفسك، كامرأة العزيز!
مالي لا أقدر على حب سواك، مهما حاولت؟ مهما قاومت صورتك؟

ما بالك انت شغفتني حباً فزهدت فيمن عداك؟

مالي حتى لا تطاوعني حروفي كتابة عنك؟ وصفاً لك... تيهاً في رحابك...
هل أقدر يوماً أن أجسدك كتابة؟ أن أضمنك في حروف وجمل وتراكيب اللغة فتبقى ما بقيت اللغة وتحيا حتى بعد فنائي أنا، كاتبة حروفك؟ هل تسعك لغة ما يوماً ما؟ هل أملك من المهارة ما يرسمك ويصفك فيخرجك من بين ضلوعي حياً على ورق؟ هل تسعك الأوراق؟
أهملت الرسم حين أيقنت أني لن أستطيع رسمك يوماً.. هل أهجر الحرف كرامة لك حين يعجز هو الآخر عن وصفك؟ وماذا يبقى لي؟
أنت؟ أتبقى لي؟ أتبقى معي؟ لو كان الأمر كذلك، فلتهجرني اللغة والحروف كما هجرت الرسم يوماً، وكفى بك نعمة...

ما بالك أنت شغفتني حباً فزهدت فيمن عداك حتى يداي ولساني؟


هل قلت أنك لست بحُسن يوسف؟ مالي إذا يسيل دمي طوعاً، دون سكين، إن لامستني عيونك، تقرباً وقرباناً حتى تبقى... فلم تعد تكفي الدموع كأضحية تراق تحت قدميك، وما عدت تبقى... ألست حقاً بحُسن يوسف؟ مابال هذه العيون تسبي، وهذا اللَحظ يقتُل؟ وهذه الابتسامة تنفي عن الأرض دورانها سوى في فلكك؟ كيف للون الحنطة أن يُذهب العقل إلا لتعلقه بجسد جعل الله له من السلطان ما شغفني حباً؟ ألست بحسن يوسف؟! بلى والله لقد أنعم الله علي برؤية يوسف فيك.. ووقر في قلبي ولع النسوة به، فيك... وشغفتني حباً كما شغِف يوسف زُليخة حباً...

فكفى بك يوسفٍ في الحياة الدنيا.. وليغفر لي الله، فأنا لم أكفر بيوسف وحسنه ونبوته، بل أقسم بهما أني آمنت بعبدٍ من عباده ملأ القلب والعين والروح بفضل من الله وجزيل مِنّتِه.. ولا أظن الله رازق أحدًا بنعمة كتلك، وبه غضب عليه..


هل قلت انك لست بنبوة يوسف؟ مالي إذا لا يعرف خبايا نفسي سواك؟ ولا تأويل لرؤياي إلا برؤيتك؟ ولا يسمع صمتي غيرك؟ ولا يهدهد روحي سوى كفك؟ ولا يطيب خاطري سوى ابتسامتك؟ ولا تفتنني سوى كلماتك كأنك شاعر، أو ساحر، أو مجنون؟ كيف لهذه الكف أن تحيي القلب بلمسة؟


كيف لمن لم تؤتَ له النبوة أن يهديني لصراط النفس المستقيم؟ أن يشعّ في حياتي نوراً؟ أن يبعث موات نفسي، فتشرق بنوره مرة أخرى وترى الخير في كل نفس، والجمال في كل قبح؟ ان ينفي عن قلبي الغضب، بنظرة؟ وأتبعه بلا موعظة؟ أن يشغفني حباً؟


ما بالك أنت شغفتني حباً فزهدت عمن عداك حتى يداي ولساني وذهلت بحُسنك واتبعتك دون نبوة؟


أنت يوسف ـي ، وسأراود حروفي وكلماتي عنك حتى تخرج من جُب أحلامي.. حتى وان كان الثمن أن يسيل دمي طوعاً، دون سكين، شهادة فيك.. وليرحمني الله في الآخرة ولا يحمل علي شغفي بك في الدنيا.. فهو رازقنيك.. وهو من ابتلاني بشغف لا شفاء منه إلا به... فطوبى لي إن مت شهيدة يوسف ـي... ذلك الذي شغفني حباً....


****



شكراً لمن قابلتني جُملتها صباحاً بأن هناك من شغفها حباً، فذكرتني بذلك الذي لا أنساه...