عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Tuesday, November 1, 2011

حمى



تشعر بالحمى تتصاعد في جسدها بغتة و تدريجياً بخطى حثيثة... تتفكك اوصالها تمام و تشعر كأنها على وشك فقدان الوعي .. لا يبقيها واعية سوى ركوبتها الصغيرة .. تميل يميناً فتهتز معها فتفيق قليلاً... او يساراً فتنتفض كانها تستيقظ من كابوس...

تسيطر الحمى على ذكرياتها اولا .. فتفور تلك وتمور من الماضي السحيق.. تتذكر يوم أصابتها حمى مشابهة لتلك دون أي مقدمات و لا مبررات طبية واضحة او خفية .. هي وحدها كانت تعرف السبب .. 

كانت تكتم حباً فاض فصهر روحها و ثار على الجسد الضعيف يروم تصريحاً و إفصاحاً . .ولما لم يجد بياناً يفصح به، عربد في الجسد الضعيف حمى كاسحة.. يومها خافت أن تجري الحمى لسانها بما لا تستطيع معه إفصاحاً .. قاومت الإغماء و النوم و الغياب عن الوعي .. أو هكذا ظنت ساعتها .. كتمت حباً يفصح عن نفسه حمى .. و لما سمعت صوته يومها جرت دموعها دون صوت .. أججتها رنة القلق عليها في صوته .. ولما تحاملت على نفسها كاتمة الحمى و الحب سوياً لتذهب و تراه وسط الجمع المعتاد .. خذلتها عينيها .. فتوارت عنه معظم الوقت خلف نظارة سوداء .. و لما غابت الشمس .. انهارت قواها و فاضت دموعاً .. كفكفها بكلماته الرقيقة و لهفته البادية .. ولم تشف من تلك الحمى إلا يوم صرح لها  بحبه من بين ارتعاشات صوت مرتبك و عيون زائغة من الخجل و اللهفة .. فصار النيل يومها محيط لا يحمل على صفحته سواهما...  

لما تذكرت تلك الحمى .. اندهشت انها لم تصب بأي شيء حين مات الحب! هل كان الحب فيروساً تداعى له الجسد بالسهر و الحمى مقاومة و دفاعا عن القلب الغرير؟! ضحكت متعجبة من تلك التخاريف و لماذا تذكرتها الآن .. هل تشابهت عليها الحمى؟!

لا يمكن لتلك ان تشبه هذه بأي حال من الأحوال .. فاليوم لم يولد حب ولا مات .. فقط إنطفأ قنديل كانت تتجمع حول ضوؤه فراشات ملونة أحياناً .. و كثيرا بعوضات تلدغها لدغات مؤلمة .. كثيرا ماكانت تنير ذبالته جزء من احد جنبات الطريق .. ولكن ظلت بقية الطريق معتمة .. حاولت إذكاء جذوته .. و فشلت .. فانطفأ .. فمالها الحمى تغزو جسدها اليوم؟!

لمن تتصدى يا جسدي المثخن بالجراح؟ للجراح القديمة التي تستبيح الأيام نكأها .. أم لجراح جديدة مقبلة؟ 

تتذكر المقولة "جرح فوق جرح .. لا أدري أيهما أشد إيلاماً؟!*" فتفكر: حقأ أيهما أشد إيلاماً؟! الموت أم الحياة؟
تباً للحمى و تهريفها .. أين الحياة من راحة الموت؟ و أين نحن منها؟! 

تميل بها الركوبة فتنتفض كأنها تستيقظ من كابوس .. و هل حقا استيقظت؟ إذا لما لا ترى صورة للطريق ولا للسيارات و لا للعابرين؟ مالهذا الظلام يمتد و يترامى و يبتلع كل نور؟! تميل الركوبة مرة أخرى .. ولكنها لا تنتفض هذه المرة...


----
* محمد المنسي قنديل


اللقاء الأول

كانت تمشي في درب طويل .. وحيدة .. غير عابئة لا بطول الدرب ولا بوحدتها .. اعتادت الاثنين منذ زمن بعيد..
هي فقط تقف عند نافذة العرض تلك ترقب ما خلفها من "موديلات آدمية" .. ربما دخلت ذلك الحانوت او الذي يليه لتجرب أحدهم .. ذلك موديل صاخب الأفكار و الصوت .. و تلك موديل هادئة الطباع عاقلة صبورة .. وذلك أهوج .. وتلك بلهاء .. وغيرهم الكثيرين.. ذلك الموديل او تلك .. ثم تمضي في طريقها مرة اخرى ..

وحين كفت بالاهتمام بما تعرضه نوافذ الحوانيت من بشر .. او أنصاف بشر .. او أشباه بشر .. فكرت: و لم لا أجرب طريق آخر؟!
مضت تبحث عن طريق آخر ربما يحمل إليها بهجة مفتقدة .. او صديق حقيقي .. او ربما فرحة ان كانت محظوظة..

وجدت عدة طرق متشعبة و متقاطعة في نقاط مشتركة .. و أحلى ما في تلك الشبكة من الطرق تنوع الطبيعة فيها .. فذلك يمتد في صحراء ساحرة آسرة للروح .. و الآخر يمتد في زرقة لا متناهية ولا مُدْرَكَة تتلون بنور ذهبي تارة و ضياء فضي تارة أخرى .. و ذلك يمتد في لجّة لازوردية تتصنع الهدوء و تخفي في باطنها عالم صاخب في صمت .. 
سارت فرحة بين تلك الطرق .. تناست وحدتها .. صارت الحياة ممتلئة بالكثير من الحكايات و البهجات .. صغيرة حقاً .. قصيرة العمر حقاً .. كأعمار الفراشات .. و لكنها كانت تكفيها للاستمرار .. الاستمرار في تناسي الوحدة و التغاضي عنها .. و لو حتى ظاهرياً...

و في احدى التشعبات .. كان الطريق اكثر صخباً من المعتاد .. تكتنفه صنوف من بشر لم ترهم من قبل ..يصنعون ثورة .. يقدمون شهداء منهم كقرابين .. تغيير .. حرية .. عدالة اجتماعية ..كأنهم أموات يبعثون .. بلد تنتفض من رماد.. 
جرت بكل طاقتها في اتجاه ذلك الطريق .. لا تفهم الكثير من متطلباته ولكنها شعرت فيه بالأمان .. رغم الزحام و الصراخ و فوارغ الرصاص تحت قدميها .. لم تبالي..

و من وسط الزحام لمس كتفها برفق .. و قابل عينيها بابتسامة تشجيع ..  بادلته الابتسام..
وضعا اليد باليد و ذهبا يهتفان سويا .. و باليد الأخرى حملت العلم الحبيب .. و بيده الأخرى رفع علم أكبر فوق رأسها ليحميها من شمس قاهرة .. زادت طمأنينة...

و في هدوء مُختلَس .. افترشا الأرض سوياً .. و قال: أتحبي الذهاب لصيد الفراشات؟
قالت: لا أحب الفراشات!
قال: جربي .. ربما أريتك فراشات تختلف ألوانها عن أي فراشات عرفتيها مسبقاً .. 
قالت: الفراشات تموت سريعاً .. 
قال: أعرف .. و لكن لما لا نستمتع بألوانها قبل ان تموت؟!  لما لا تحملنا رفرات اجنحتها لعالم بعيد جميل .. فيه البحر بلا موج ولا غرق .. و السماء تهدي نجومها للعاشقين يهدونها لحبيباتهن دبابيس شعر .. و الأرض تخرج للناس أحسن الثمر .. و الهواء لا يحمل إلا سلاماً و عطوراً..
قالت: و هل تعرف فراشات بإمكانها ان تحملنا، بكل ما نحن مثقلين به من هموم، إلى ذلك العالم؟
قال: بلى
قالت: و إن وقعنا من فوق أجنحتها .. ألا نتحطم فوق صخور الواقع؟!
قال: سأحملك إذن على كفوفي و أطير أنا بك

أخذ يدها بيده و مضى .. في البداية أهداها فراشات كثيرة .. بأجنحة بيضاء كالثلج و أخرى بلون النار..اجنحة تحمل ألوان الورد و أخرى تزينت بأقواس قزح ... فرحت بها ... ضمتها إليها فحملتها و ارتفعت راقصة بها .. سمعت ضحكاته .. اقتربت منه تحمله معها .. اخذ بيدها .. جذبها لأسفل فلامست قدميها الأرض مرة أخرى .. سألته بعينيها .. لماذا لم تطر معنا؟! لم ينتبه للسؤال .. مضى بها في طريق لم ترَ فيه أي فراشات .. و لا طيور أو زهور .. تسرب منها شعور الأمان رويداً رويداً.. و كلما مضى بها بعيداً ..  كلما شعرت بوحشة ذكّرتها بالدرب الأول .. بالوحدة الأولى

تساءلت .. لم الوحدة الآن و أنا لي رفيق،نصيد الفراشات سوياً؟! لماذا الغربة الآن و أنا اسكن وطن جديد؟!

شعرت بشمس الطريق تغيم .. صار الطريق أكثر برودة .. و لم تمنحها ضمة يده لكفها أي دفء.. 

سألته: أين الفراشات؟! قال بلا اكتراث: و من أين لي أن اعرف؟! ربما لم تريها.. ربما لم تعيريها انتباهك جيداً...
قالت: وعدتني بالفراشات ... لم يرد ... 

سحبت يدها من يده بهدوء .. لم ينتبه.. 
وقفت محلها و لم ترافقه خطواتها .. اكمل الطريق ماضياً ولم ينظر خلفه ...

ولما خفضت عينيها أسفاً على ضياع الطريق من قدميها .. رأته يطأ فراشات ميتة بقدميه .. ولا يبالي..



Wednesday, September 21, 2011

تلك الصباحــات المبــهجــة

"أصل الصبح دا ليه بهجة خاصة
مناقشات الصبح والفطار الصبح وانك تفطري مع حد الصبح
دا موود تاني خالص"
 توقفت عن الإنصات بعد تلك الجملة.. و ان كانت استمرت في الرد على بقية الكلام، إلا ان عقلها قد شرد بعيداً مع صباح مثل ذلك..

يحادثها ذلك الصديق عن بهجات صباحية مع أصدقائه .. أما الآخر فيحادثها عن ابتهاجه هذا الصباح لأنه نجح في حل مشكلة لديه .. ترد على هذا و ذاك و عقلها "معه".. 

تتخيل بهجة أي صباح يبدأ بصوته .. بكلماته .. بوجوده....

تغمض عينيها فتراه قريباً منها .. تكاد تلمسه .. تسمع صوته .. يغشيها ضياء ابتسامته .. 

تراه أمامها .. يحاورها بدلا من هؤلاء الأصدقاء .. يخبرها عن بهجاته الصباحية التي تتلخص في وجودها .. فقط!

تراه يجلس إلى طاولة فطور جهزتها بنفسها .. بعد ان صنع لهما القهوة بيديه .. يرشف منها فيصنع وجهاً مضحكاً لأن القهوة سيئة الطعم لسبب لا و لم يعلمه أي منهما .. يضحكان ملء القلب و يحتسيان الفنجانين حتى الثمالة .. ولا يهم ان كان للقهوة طعم سيء ام لا .. يكفي طعم الكلام بينهما..

تراه يصحبها لتمشية على النيل صباحاً قبل استيقاظ المدينة العتيقة و اختناقها بأنفاس قاطنيها و عوادمهم .. يمشيان متمهلين .. صامتين صوتاً .. صاخبين فكراً .. حتى انهما يضحكان سوياً فجأة .. و ينظران لبعضهما .. فيحتضن يدها بكفه .. و يحملها هي بين عينيه .. و يكملا سيرهما بنفس الصمت و الصخب

تراها تلتف على نفسها كقطة هانئة، تقرقر، تسند رأسها على كتفه و هو يقرأ الجريدة .. فيتلو عليها خبراً سياسيا مضحكاً و  يظلا يضحكان من القلب حتى بعد أن يلقي الجريدة و يضمها إليه أقرب بذراع و بالأخرى يهديها الوردة التي اقطتفها لها خصيصاً قبل الفجر... 

تفيق من أحلامها الصباحية، مبــتــهــجــــة.... 

حاملة ابتسامته على شفتيها.. ملامحه في عينيها .. صوت ضحكته و كلماته مازال يتردد في عقلها .. 

تأخذ شهيقاً عميقاً و هي مبتسمة و نصف مغمضة .. فتعبق رئتيها بعبيره...

تفرك كفيها على سبيل العادة لتزيل عنهما برد مكيف الهواء .. فتجدهما دافئتان من حرارة كفه...

تخرج من مكتبها مبتسمة .. تكاد لا تحملها الأرض من الـــــ 

بـــــهـــــجــــــة

Morning Joy - Amy Chapell

Tuesday, September 20, 2011

صـخــب


تفيق من نوم مؤلم ولكنه - للحظ الحسن - خالٍ من الأحلام، كعادة نوم المواصلات الذي هو فقط إستسلام لرجرجات الركوبة أي كانت لتستشعر معها و بها بعضهاً من هدوء مفتقد.. للدقة، هو استسلام لصخب أعلى من ذلك الذي يدور في رأسها فيمكنها ان تغفو دقائق قليلة و ربما زادت جرعة الحظ الحسن فتمكنت من الظفر بسويعات من النوم الصامت/المصمت...

تفيق من ذلك النوم متجاهلة مواضع الألم الحسي الموزع ما بين الرقبة و الظهر و تلك الكف المخدرة بفعل ضغط الرأس عليها .. لتستفهم سر ذلك الألم النفسي الذي غزا نومها الهاديء فطغى على صخب الركوبة و أجج صخب العقل مرة أخرى فأيقظها!

تعتدل في الكرسي مسلوبة الراحة، مرغمة على التأقلم مع تصميمه، كما هي مرغمة على التأقلم مع ذلك الزخم المفاجيء من الأفكار التي غزت عقلها.. 

ينتابها الرعب من كل تلك الأفكار المتلاحقة، التي عَلا صوتها و غطى حتى على ضجيج المجموعة المصاحبة لها في الركوبة الذين يدّعون طفولة مفقودة و مرح مسلوب بتلك الألعاب المستمرة ليل نهار ... تكاد لا تسمعهم، لا، هي حقاً لا تسمعهم من حدة الضجيج المغلف لعقلها.. 

ولما قررت ان ترفع صوت الموسيقى في آذانها علّها تخفف من وطأة ذلك الصخب .. جاءها الصوت الإفريقي يغني:

One day i'll fly away... Leave all this to yesterday

بهتت لتطابق الصوت المسموع مع الصوت الأعلى في عقلها .. أود الرحيل .. أبداً .. لا  أرغب في الرجوع ولا العودة .. ليس لدي ما اعود إليه سوى مزيد من الصخب .. و الغضب .. و الألم!

أين المفر؟!

تتوارد الأفكار على خاطرها باندفاع كتوارد قطيع جاموس وحشي على مورد ماء بعد موسم الجفاف .. تتدافع فيما بينها بهمجية .. تدهس عقلها دهساً .. تطأ شذرات من روحها في الطريق

تزداد الوطأة على روحها فتفقد ملامحها أي تعبير و تجلس صامتة .. تشعر كأن ضجيج أفكارها مسموع للعالم .. تأسف انهم مضطرون لتحمل ذلك الصخب و تود لو اعتذرت منهم .. تزداد صمتاً

تتسائل: ما كل هذه الوحدة وسط هذا الجمع من الناس؟ و كيف ازدحمت الصحراء بهذا الصخب فلم تهنأ بالهدوء ولو دقيقة واحدة؟ تتشتت ما بين وحدة الصخب و صخب الوحدة فتشعر بعقلها يكاد يذوب و يتساقط من عينيها دمعاً...

تزداد صمتاً.. 

تأتيها تربيتة على الكتف من صديقة تتسائل: "ماذا بكِ؟" .. تبتستم و تتصنع كل ما يمكن تصنعه من حجج و إدعاءات كاذبة و هي تفكر " كم كنت أتمنى لو كنتَ انت من حملت لي تلك التربيتة و ذلك التساؤل!"

يستمريء عقلها، المتمرد عليها اليوم، اللعبة فيتمادى في التساؤلات.. "هل تفتقدينه ام تتسائلين استدعاء لمزيد من الغضب عليه؟"

و يصمت الصخب لوهلة قصيرة جدا .. فلا تكاد تجيب عقلها حتى يلاحقها بسؤال آخر "هل هو حقاً من تفتقدين ام انك توهمين نفسك بذلك؟!" 

تصرخ بشفاة مزمومة "أفتقد الأمل في وَنَسٍ و حميميةٍ مفقودة من قديم الأزل بيني و بين كل من مروا بحياتي، و لم أجد بين يدي إلا حبات رمل الصحراء تسكن خطوط كفي و لوهلة ثم تتركني مرة أخرى وحيدة .. أفقتد شعوراً بالانتماء لا يعلم و لم يعلم عنه أحد شيئاً لأنه لا يمكن لأحد أن يكون سكناً و هو مشرد الروح .. أفتقد ظهراً و سنداً .. أفتقد ذلك الذي لا يجيء أبداً و لا يترك لأحلامي فرصة البحث عن غيره .. أفتقده و اذوب لهفة إليه في ملامح الناس و بين خطوط أكفهم .. تهيم يداي مشردة ما بين كفوف الناس تبحث عن السكن .. تبحث عن المودة .. تبحث عن الرحمة .. ولا أجدها .. هذا ما أفتقد! فكفاك نكئا لجراح أجاهد نفسي كي تندمل" 

و لا يصمت الصخب كطفل عنيد متمرد يأبى الترويض و الاستكانة .. أجاهده يوما او بعض يوم .. عُمراً أو بعض عمْر

أجاهد روحي ألا تبكي .. أن تدعي القوة كعهدها دوماً .. أحثها ألا تنكسر .. 

أرجوكِ يا روح ألا تكوني هشة .. لا تتعلقي بقشة إنسانية تذروها الرياح و لا تملك من أمرها شيئاً .. كل هؤلاء البشر هم قش! لا تنتظري منهم سنداً او سكناً .. فكيف للقش أن يحمي ساكنيه من عواصف الدهر .. كيف للقش أن يسند الظهر؟!

أرجوكِ يا روح ألا تزدادي غضباً و نقمة عليهم .. هم أرواح هائمة .. تنشد السلام و الرحمة .. فقط هم لا يعرفون كيف يمنحوه لبعضهم فيزدادون تيهاً و تشرداً.. و يزدادون تدافعاً على أي سراب قد يبدو للناظرين كماء الرحمة .. لا تنقمي عليهم .. ولا تنقمي على نفسك .. إهدأي و استمسكي بمزيد من الصبر عسى الله أن يقضي أمراً كان مفعولاً
******

رسالة:

كم تمنيت لو كانت كلماتي عنك .. أو إليك .. 
و ها أنا اليوم أكتب عنك و إليك .. ليس بي اليوم غضب عليك رغم الخذلان و الصفعة الحارقة التي مازالت أذني تطن بها و عقلي يردد صداها .. لا أملك سوى دعاء أوجهه لله عساه يتقبله و يسبغه عليك:

"اللهم امنحه سلاماً .. و اجعله سلاماً ..
امنحه سلاماً ينير بصيرته .. فيرى النور بين عينيه .. و بين كفيه .. يهتدي به و يهدي
امنحه سلاماً ليَرضى .. اجعله سلاماً ليُرضي .. امنحه سلاماً ليهدأ.. اجعله سلاماً ليَقوى
اللهم امنحه سلاماً .. و اجعله سلاماً"

Wednesday, June 15, 2011

دروس العام الجديد

أجلس بداخل ركوبتي الزرقاء الصغيرة ..  أكاد أود لو أطير فوق الشوارع و الناس والزحام .. لا أريد أن أرى أحداً

تصحبني ركوبتي و موسيقاي المفضلة .. و تحلُّ أفكاري ضيفاً ثقيلا على تلك الصحبة البسيطة

تنساب الموسيقى مؤلمة مثيرة لمزيد من أشجان الفكر و القلب .. تنساب معها دموعي

أكرر على نفسي ما دار من مكالمات و مناقشات .. و اكرر ما أَظْلَمَ علي بهجة يومي التي كنت استحثها و استجديها من الزمن

أتذكر تلك المقولة: "هذه الأعمار المتعددة هي أيضاً خيبات أمل متعددة"* .. و أفكر .. إن كل عام يمر هو عمر مستقل بخيباته و انكساراته و خِذلانه

ربما يحدث خطأ في النظام هنا أو هناك .. في لحظة أو سواها .. تتسبب في إضفاء بعض النور على الأيام الكابية المتكررة .. و لكن ذلك ليس أكثر من "خطأ في النظام" سرعان ما يصل به تقرير فيتصحح الخطأ و تسير الأمور على النهج المعتاد من تكرار لخيبات الأمل و الخِذلان .. فتستقر الأمور .. و يستقر النظام .. و تزداد النفس اختلالاً

تنساب دموعي بانتظام و هدوء فأرى الصورة أوضح .. هكذا الحال في كل مرة .. و لكن الخطأ هذه المرة في الصورة التي أراها

أحاول نفضها عن رأسي و التوقف عن البكاء .. بلا نجاح حقيقي .. و لماذا عساي أنجح في هذا الأمر دون غيره مما فشلت فيه و أفشل فيه على الدوام؟!

تتكرر الأحداث ثانية في رأسي .. و تدور الكلمات في فضاء الركوبة الصغيرة رنانة .. مدوّية .. ترجِّع نفسها كصدى صوتٍ يتزايد و يتضخم ولا يذوب في الهواء كما ينبغي له

أنظر في الساعة و أراها تقارب منتصف الليل ... أفكر .. هل قضيت أبداً تلك الساعات وحدي مثل اليوم؟! .. فيرد عقلي علي أنه لابد لكل شيء من مرة أولى .. و لابد أن تعتادي الأمر من الآن فصاعداً .. كل عمر/عام جديد ستمر عليك تلك الساعات و انت وحيدة

أمسك بهاتفي لأفتحه .. أتذكر آخر مكالمة تلقيتها عليه .. أفكر .. لماذا أفتحه؟ لماذا أعود للمنزل؟ لماذا عدت من زرقتي الأثيرة؟ لماذا وُلدت؟

أنا على يقين أني حية .. لا يمكن لكل هذا الألم و الخِذلان أن يصيب الأموات .. تلك حقيقة أثبتت نفسها منذ أعمار كثيرة .. و لكن هل تجوز الحياة في فراغ؟!

أتذكر محاولاتي المستميتة طوال الأعمار الماضية لملىء ذلك الفراغ بحيوات أخرى .. أتذكر سعيي الدؤوب لرسم البسمة على وجه هذا .. و إسعاد قلب تلك .. و إضفاء بهجة بسيطة على يوم هذه .. بدون مقابل .. حقاً بدون مقابل!

أسعد لرؤياهم سعداء .. أسعد  جداً حين أرسم بسمة على وجه أحدهم ..  أسعد حين أقايض الزمن بمجهودي و فكري في مقابل سويعات من بهجة و فرح .. أسعد حين أجدني قد نجحت في تجارتي و حققت الربح المنشود

و لكن .. أليس هناك من تجار غيري يقايضون الزمن بـ "شيء" ما لأجلي؟

تصدمني تلك الفكرة فيرتج علي كياني ..

تتضاعف الوحدة و يتسع الفراغ فيشمل الكون كله .. أسقط في هاوية، أعمق من المعتاد، من خيبة الأمل ...

يتضح درس العام الجديد أمامي

"لا تأتي خيبة الأمل فقط من أن يخذل الزمان توقعاتك .. قد يخذلك الزمان من حيث لا تتوقعي"

أرغب في أن أظل أدور بركوبتي بلا نهاية .. و لكن الفكرة تذكرني بشقي الرحا اللذان يدوران على رأسي فأتراجع

تذكرني الفكرة بالدوائر المفرغة التي تؤدي لنفس النهايات مهما اختلفت البدايات .. فأتضائل

تضاؤلي يذكرني بحجمي الحقيقي .. ينبّهني له .. أصرخ في نفسي " ولكني لم أظن في نفسي ما هو أحسن!! لم أبنِ أية توقعات!! لم أطلب أي شيء!!! لم أنتظر مقابلاً يوماً من أحد ولا من شيء!! أيها الخذلان أنا لم أعط لتوقعاتي سقفاً، بل قتلتها و وأدتها و عشت بلاها .. ماذا تريد مني؟!!!"

تجاور كل من الزمان، و الخذلان و الفراغ و الوحدة .. كزبانية جحيم ... حدّقوا فيّ بوجوه بلا ملامح .. بل متغيرة الملامح .. تحمل كل ثانية ملامح مختلفة لشخص ما .. شيء ما .. مر بأعماري ليحولها لخيبات أمل متكررة .. و ابتسموا بشماتة و ظفر

فازداد تضاؤلي .. و انكمشت تحت دموعي .. و صمتّ 
_______

أحاول تجاوز تضاؤلي الرابض أمام عيني منذ الليلة الماضية ..  أحاول ان أسمو فوقه

أفكر: "اليوم يوم جديد .. بداية عمر جديد .. لن أبني له توقعات .. و لن انتظر منه شيئا ما .. ولا من أحد"

أتجاوز حادثات الأمس و استعد للخروج منها و من أفكاري

تتعقد الاحداث .. و تتطاير الأفكار كالرصاص .. فتغتال حتى الصبر

أظل ادور في دوائري المفرغة .. تدور بي بلا رحمة .. ما بين شوارع .. و وجوه غريبة .. رغبة في البكاء .. ذكريات تستدعى لسطح العقل فتنكأ جروحاً قديمة .. كما لو أن الحديثة لا تكفي و تزيد!

ما يقرب من يوم و أنا أدور في تلك الدوائر .. أفقد توازني تماماً .. و أفقد معه الاتجاه

فأجهش في بكاء حار .. و أفكر .. هل لن يكون لي من رفيق  سوى ركوبتي و شارع قاس جَهِم و أفكاري؟

لبئس تلك الرفقة!! ...

إنضم النشيج لهم ... فغامت الرؤية أمامي تماماً .. و غابت المرئيات .. و بدا الطيران من فوق حاجز الطريق السريع كفكرة ظريفة جدا .. لولا أنها لتزعج بعض الغافلين .. او قد تذكر "بعضهم" بي .. لنفذتها فورا

و لكني آثرت راحتهم .. و انضممت لدائرة الرفقاء .. الخذلان و الفراغ و الزمان و البكاء و الوحدة

و نِمت لا ألوي على حلم

---
* محمد المنسي قنديل

Tuesday, June 7, 2011

الإنتظار ... مرة أخرى





أن تنتظر وقتاً محدداً لتبدأ فيه الكتابة ... بعد أن تنهي هذه المسألة او تلك .. تلك المكالمة او تلك

ان تنتظر لحظة إلهام .. وقت فراغ .. او حتى مجرد لحظات من هدوء لتبدأ رسم تلك اللوحة

أن تنتظر بداية الأسبوع .. الشهر .. او حتى غداً لكي تبدأ مشروع ما .. او حتى حمية غذائية

أن تنتظر نقطة محددة من البعد الرابع لكي تتحقق فيتحقق معها هدف ما او حلم ما

يعني ان تنتظر طويلاً جداً

حتى و إن دام انتظارك لحظات في عمر الزمن ... 

قم الآن و انهض .. اسع وراء حلمك .. وراء الكلمة .. وراء الخط و اللون .. لا تنتظر 

فقد تضيع منك الكلمة .. او الفكرة .. قد تنسى ما كنت تود ان تقول .. قد تضيع منك الصورة التي تود رسمها إلى الأبد .. او قد ترسمها بعد فوات آوان اهدائها لمن يقدرها

فهذا ما يحدث لي كل مرة أنتظر فيها تلك اللحظة المناسبة .. دوماً ما تضيع مني الفكرة .. و الكلمة .. و حتى الحلم

إلا أنت.....

فبرغم طول انتظاري لك... مازلت لم أفقد صورتك ... مازلت لم أنس طيف ملامحك التي أظل ارسمها و أدققها و احفرها في باطن عقلي .. فتزداد صورتك اتضاحاً مع طول الانتظار!

ومازلت أنتظرك...

لو تعرف انك الرجل الأوحد على الأرض - او ربما في السماء - الذي أحلم بيوم أضع عمري بين يديه

و ارسم ملامحي في عينيه .. و أنصهر و انسكب بين خطوط كفيه

لو تعرف انك وحدك تملك مفاتيحي .. و أسراري .. و ان كل من مروا بحياتي لم يصلوا حتى لكونهم اشباح ظلك

لو تعرف اني انتظرك وحدك دون سواك....

لما أطلت انتظاري.....

Tuesday, May 24, 2011

عروسـة

"فوزية اتجوزت!!"

هكذا ظلت تفكر لنفسها حين رأت تلك الطفلة الصغيرة التي شبت فجأة عن الطوق فوجدتها أمامها عروس بهية الطلة

مازالت تذكر برائتها و هي تحكي لها ما بدا كتباشير قصة حب

مازالت تذكر بداية صداقتهما .. مازالت تذكر حين تحولت الصداقة إلى أمومة .. او الأمومة إلى صداقة .. هي لا تذكر الآن أيهما جاء اولاً

تابعتها بعينيها في ذلك الفستان القصير و هي ترقص بين رفيقات صباها .. مازلن هم نفس البنات الصغار اللاتي كن يضعن الشرائط البيضاء في ضفائرهن .. لم يطرأ عليهن أي تغيير!

هل حقاً كبرت هكذا؟ هل حقاً في خلال يومين تصير امرأة؟

هل سأفقد تلك الطفلة الصغيرة إلى الأبد؟

"باق من الزمن يومان"

رنت العبارة في عقلها فجزعت ... يا إلهي! يومان و لن أستيقظ على وجودها معي بالمنزل!! يومان و ستغيب بهجتها و بسمتها و حتى غضبها عن البيت!!

يومان و ستغيب الطفلة في رحلة - قصرت او طالت - و تعود بعدها إمرأة!! هل سأعرفها ساعتها؟ هل ستجد طريقها إلى ذراعي كما اعتدت أم ستضل عني طريق لذراعي الحبيب؟!!

يومان؟!!!!

مالها ترقص هكذا فرحة؟!! هل تفرح لتركها إياي بعد ان قدمت لها كل تملك من وجود في الحياة؟!

يا سلااااام!!! أتفرحين لقرب لقائك به ولا تبكين لبعدك عني؟!!!

هل حقاً تملكين ذلك القلب الجاحد؟!! و من أين لك به؟! هل لقنتك هذا الجحود؟ ام لقنك هو إياه؟!!

نقمت عليه أيما نقمة.. و غضبت منها شديد الغضب!!

اعتملت بداخلها مشاعر شتى .. غاضبة هي من تلك الصغيرة الجاحدة التي تترك قلبها و ضمّة ذراعيها لقلب رجل غريب و ضمّته .... التي تترك بيت أبيها الذي آواها و حرص عليها كل تلك السنوات و تستقبل بكل هذه الفرحة بيت رجل غريب

لم تقدر على تحمل تلك المشاعر وقت أطول .. فتوجهت إليها .. اقتربت من دائرة البنات الراقصات الفرحات - هؤلاء الجاحدات لأمهاتهن مستقبلاً - اللاتي يحاولن هباء جذبها لدائرة الرقص معهن  و معها و هن لا يدركن ما يعتمل في قلبها من رعب و فزع و على الطفلة الصغيرة .. و ما يزلزل كيانها من غضب تجاه المرأة التي ستعود لمنزلها ضيفة، متعجلة الرحيل دوماً .. "لا تحب البقاء بعيداً عن بيتها وقت طويل" .. تلك المرأة التي - مع رجل غريب - ستسرق منها طفلتها/صديقتها/ إبنتها إلى الأبد

نحّت جانبا في حدة كل تلك الأيدي الفرحة/الجاحدة التي تحاول جذبها للرقص .. مالكن فرحات هكذا بضياع ابنتي/صديقتي مني!! عليكن اللعنة جميعاً!! غداً - أيتها الجاحدات - تحرقن قلوب أمهاتكن بجحودكن و فراركن بنفس ذات الفرحة متسللات أثناء الرقص لبيوت بعيدة و أذرع رجال غرباء!!

اتجهت لها مباشرة غير عابئة بضجتهم و رقصهم .. انتزعتها من رقصها على تلك الأغنية السريعة الايقاع غير مفهومة الكلمات ..
مدت لها يديها بامتداد ذراعيها ... و ضمتها طويلاً طويلاً .. بكل ما أوتيت من عزم و من خوف و من حب و لهفة و افتقاد - بدآ مبكرا جدا - ضمتها طويلاً طويلاً

و لما تسارعت الدموع إلى عينيها .. شعرت بمزيد من الفزع على غياب طفلتها .. و مزيد من الحنق على الرجل الذي سيسرقها منها .. و مزيد من الإفتقاد و اللهفة

فنظرت إلى وجهها دامعة .. و استلبت ابتسامة من اعماق هلعها .. و انفجرت في زغرودة طويلة جداً

 

بنـت وحيــدة في بيـت الكُـوَّر

○"ماما .. انا عاوزة اروح بيت الكُوَّر" 

-" طيب خلصي أكلك الأول وبعدين نروح"

إلتهمتْ ما استطاعت إليه سبيلاً من الطعام .. و تقافزت فَرِحه متوجهة ناحية الملاهي و عينيها مركزة على بيت الكُوَّر المنشود

ظلت تتقافز طوال المسافة إلى الملاهي .. تملأ الفرحة خطواتها و عينيها و ملامحها الدقيقة

- " يلّا إدي عمو الفلوس"

ناولت "عمو" النقود بلا صبر تقريباً

توجهت مع امها ناحية البناء الإسفنجي الشبكي .. و بدأت القفزات تتناقص

و تبدلت فرحتها تردد .. و تضائل حجم الابتسامة على شفتيها

خلعت صندلها الوردي الصغير ذي الوردات البيضاء .. تخطت المدخل .. ثم توقفت

إلتصقت بالحائط الشبكي .. و بدأت في تردد تسلُق الدرجات الإسفنجية

درجة .. و أخرى .. ثم انزلقت راجعة لحائطها الإسفنجي و إزداد إلتصاقها به .. و اختفت الابتسامة تماما من ملامحها

- "وقفتي ليه يا حبيبتي"
 
○"...." ... و نظرة حائرة!

- "روحي يلّا إلعبي!"

○"أصل ... أصل البنت اللي هناك خبطتني!"

- "معلش هي ماتقصدش ..  لفي من حواليها و إلعبي إنتي"

و لما وجَدَتها صامتة لا تتحرك، إلتفتَتْ لي في ملل

- " سيبك منها و تعالي نروح نقعد"

* "لأ!" ثم وجهت كلامي إليها: *"يلا يا نونو روحي إلعبي يا حبيبتي"

سددت لي نظرة لم يكن ليفهمها - أبداً - سواي على وجه الأرض!

ألْغَتْ عِقدين أو أكثر من العمر .. و رأيتُ في المرآة .. تلك البنت الوحيدة في بيت الكُوَّر .. او على الشاطيء .. أو عند الأرجوحة .. او في فناء المدرسة ..

تقف حائرة .. تنتظر من يناديها لتلعب .. من يشجعها على اللعب .. من يهلل لها لو ارتفعت بها الأرجوحة، أو قفزت عالياً بلا خوف لتغوص بين الكوَّر ..

تنتظر من يخبرها انه لا داعي للخوف من بقية الأطفال .. و لا ضير إن لمسوها أو احتكوا بها! لا ضير على الإطلاق!!

تنتظر من يخبرها أنه لا ضير من مشاركة الغرباء في فرْحات صغيرة .. في لحظات من بعض لهو

تنتظر من يخبرها ألا تقلق من وجود آخرين في العالم!  و أنه ليس من الضروري ان تعرفهم جميعهم ..و أنهم مثلها .. صغار يمرحون .. و انهم قد يحبونها و يشاركونها اللعب!

*"يلّا يا حبيبتي .. يلّا .. إطلعي يلّا من هنا .. و إجري هناك بسرعة و بعدين اتزحلقي و ارجعي تاني .. يلّا"

غلّفتْ عبارتها بكل ما تملك من مرح .. و كل ما أوتيت من قوة .. و ارتدتْ افضل ما لديها من أقنعة الفرح .. و لونت عينيها ببريقه

طفقت تصفق لها مشجعة بأقصى ما لديها من عزيمة  .. و قدرة ... على التماسك!

و حين راودتها الابتسامة مرة أخرى .. و بدأت في حث خطواتها و نفسها المترددة على التقدم .. استمدت منها مزيداً من العزيمة .. و شجعتها بحرارة أكثر

-"تعالي بقى نروح نقعد وسيبيها هي هتلعب لوحدها"
*"لأ! خلينا معاها" 
-"ليه ماهي بتلعب أهي!!"
*"أصل انا كنت زيّها"

و أدارت وجهها بعيداً عنها .. مختبئة خلف مزيد من التشجيع و التصفيق .. محاولة مداراة تلك النظرة الحائرة على وجه البنت، التي مازالت - بعد كثير من الزمن - تنتظر ان يأتي أحدهم ليخبرها أنه ليس ضرورياً أن تعرف كل هؤلاء الغرباء من حولها .. و أبداً لن تعرفهم!

و أنها مازالت تنتظر أن يدعوها أحدهم لتلعب!

 

بنـت حـارتنـا

بلوزة خضرا فيها خطوط دهبي .. على جيبه حمرا او يمكن زرقا .. مش فاكرة

لكن اللي متأكدة منه الشعر الكستنائي الفاتح .. مِلبِّك صحيح و منعكش .. بس كان مضموم في ديل حصان .. و حتى التلبيكة ما خبتش انه في الأصل ناعم و ما خبتش لونه

و اللي برضه متأكدة منه العيون العسلية .. الشقية جداً .. يمكن شقية اكتر من نَطّتها قدامي فجأة

مدت لي ايدها بكيس مناديل .. ضحكت لها .. أصلي لقيت عينيها بتضحك اوي .. ضحكتني شقاوتها .. طبطبت عليها و قلت لها شكراً

مشيت انا و اصحابي ورحنا نقعد ع القهوة .. و قاعدين بنتكلم في السياسة - طبعاً! هو فيه غيرها اليومين دول!! - و منهمكين اوي

و لقيت ايدين بتتلف حوالين رقبتي .. و بوسة شقية بتتحط على خدي

و اتعلقت في رقبتي تبص لي و في عينيها، قبل شفايفها، أحلى ضحكة ممكن تقابل حد .. قعدت جنبي و علقت ايدها في دراعي .. جم بنات تانيين من سنها .. قعدوا يحكوا لي خناقة دارت بين اتنين منهم .. و مين امها ضربتها بسبب الخناقة دي .. و فضلنا نرغي انا و هم لحد ما صالحتهم على بعض

نسيت اصحابي .. و نسيت كنا بنقول ايه .. و حسيت اني قدهم .. كانت كل شوية تحط على خدي بوسة و تاخد قصادها شوية سنين لحد ما بقيت قدها بجد .. طولها .. من حارتها .. بقيت صاحبتها .. دخلت في حكاياتها .. ماهي  - وهم - ماكانوش عايزين غير كده! عايزين حد يسمعهم .. حد يضحك معاهم 

طبطبت عليها بإيدي .. حضنتني بضحكتها .. اخدتني من ايدي لبراءة كنت نسيتها .. أخدتني من ايدي لعالمها .. دقايق قليلين .. كانت بس عايزة تقول: "انا هنا، شايفاني؟!" .. و كنت شايفاها .. و لسه شايفاها

 قلت لهم "خلوا بالكم، اوعى حد يضحك عليكم! اوعى حد يقول لكم تعالوا معايا و تروحوا" .. حسيت بخوف عليهم .. صِعب عليا عمرهم اللي بيتبعتر مع تراب الحارات اللي بيلفوا فيها يبيعوا المناديل .. و فرحت لما عرفت انهم بيروحوا المدرسة .. قلت أهو شوية أمل، صحيح يمكن مش هيحييهم، لكن اكيد مش هيموتهم.

و انا ماشية سابت لي هدايا كتير .. حضن دافي .. خمس بوسات .. ضحكة شقية بصوت فيه بحة و أشقى منها في عيونها العسلية .. و منديل ريحته حلوة

بنــــات

د
د 
 للبنات حكايات .. و البنات حكايات
د
د 
ورا كل ضحكة حكاية
د
د
 ورا كل دمعة .. و كل فرحة .. و كل غضبة .. وكل خيبة أمل .. و كل نجاح 
 د 
د
  حكاية 
د
 د
 و حكايات البنات ما بتخلصش 
د
د
  يمكن كل مدة .. أحكيلكم منهم .. كام حكاية 
د
 د