عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Tuesday, May 24, 2011

بنـت وحيــدة في بيـت الكُـوَّر

○"ماما .. انا عاوزة اروح بيت الكُوَّر" 

-" طيب خلصي أكلك الأول وبعدين نروح"

إلتهمتْ ما استطاعت إليه سبيلاً من الطعام .. و تقافزت فَرِحه متوجهة ناحية الملاهي و عينيها مركزة على بيت الكُوَّر المنشود

ظلت تتقافز طوال المسافة إلى الملاهي .. تملأ الفرحة خطواتها و عينيها و ملامحها الدقيقة

- " يلّا إدي عمو الفلوس"

ناولت "عمو" النقود بلا صبر تقريباً

توجهت مع امها ناحية البناء الإسفنجي الشبكي .. و بدأت القفزات تتناقص

و تبدلت فرحتها تردد .. و تضائل حجم الابتسامة على شفتيها

خلعت صندلها الوردي الصغير ذي الوردات البيضاء .. تخطت المدخل .. ثم توقفت

إلتصقت بالحائط الشبكي .. و بدأت في تردد تسلُق الدرجات الإسفنجية

درجة .. و أخرى .. ثم انزلقت راجعة لحائطها الإسفنجي و إزداد إلتصاقها به .. و اختفت الابتسامة تماما من ملامحها

- "وقفتي ليه يا حبيبتي"
 
○"...." ... و نظرة حائرة!

- "روحي يلّا إلعبي!"

○"أصل ... أصل البنت اللي هناك خبطتني!"

- "معلش هي ماتقصدش ..  لفي من حواليها و إلعبي إنتي"

و لما وجَدَتها صامتة لا تتحرك، إلتفتَتْ لي في ملل

- " سيبك منها و تعالي نروح نقعد"

* "لأ!" ثم وجهت كلامي إليها: *"يلا يا نونو روحي إلعبي يا حبيبتي"

سددت لي نظرة لم يكن ليفهمها - أبداً - سواي على وجه الأرض!

ألْغَتْ عِقدين أو أكثر من العمر .. و رأيتُ في المرآة .. تلك البنت الوحيدة في بيت الكُوَّر .. او على الشاطيء .. أو عند الأرجوحة .. او في فناء المدرسة ..

تقف حائرة .. تنتظر من يناديها لتلعب .. من يشجعها على اللعب .. من يهلل لها لو ارتفعت بها الأرجوحة، أو قفزت عالياً بلا خوف لتغوص بين الكوَّر ..

تنتظر من يخبرها انه لا داعي للخوف من بقية الأطفال .. و لا ضير إن لمسوها أو احتكوا بها! لا ضير على الإطلاق!!

تنتظر من يخبرها أنه لا ضير من مشاركة الغرباء في فرْحات صغيرة .. في لحظات من بعض لهو

تنتظر من يخبرها ألا تقلق من وجود آخرين في العالم!  و أنه ليس من الضروري ان تعرفهم جميعهم ..و أنهم مثلها .. صغار يمرحون .. و انهم قد يحبونها و يشاركونها اللعب!

*"يلّا يا حبيبتي .. يلّا .. إطلعي يلّا من هنا .. و إجري هناك بسرعة و بعدين اتزحلقي و ارجعي تاني .. يلّا"

غلّفتْ عبارتها بكل ما تملك من مرح .. و كل ما أوتيت من قوة .. و ارتدتْ افضل ما لديها من أقنعة الفرح .. و لونت عينيها ببريقه

طفقت تصفق لها مشجعة بأقصى ما لديها من عزيمة  .. و قدرة ... على التماسك!

و حين راودتها الابتسامة مرة أخرى .. و بدأت في حث خطواتها و نفسها المترددة على التقدم .. استمدت منها مزيداً من العزيمة .. و شجعتها بحرارة أكثر

-"تعالي بقى نروح نقعد وسيبيها هي هتلعب لوحدها"
*"لأ! خلينا معاها" 
-"ليه ماهي بتلعب أهي!!"
*"أصل انا كنت زيّها"

و أدارت وجهها بعيداً عنها .. مختبئة خلف مزيد من التشجيع و التصفيق .. محاولة مداراة تلك النظرة الحائرة على وجه البنت، التي مازالت - بعد كثير من الزمن - تنتظر ان يأتي أحدهم ليخبرها أنه ليس ضرورياً أن تعرف كل هؤلاء الغرباء من حولها .. و أبداً لن تعرفهم!

و أنها مازالت تنتظر أن يدعوها أحدهم لتلعب!

 

No comments: