تشعر بالحمى تتصاعد في جسدها بغتة و تدريجياً بخطى حثيثة... تتفكك اوصالها تمام و تشعر كأنها على وشك فقدان الوعي .. لا يبقيها واعية سوى ركوبتها الصغيرة .. تميل يميناً فتهتز معها فتفيق قليلاً... او يساراً فتنتفض كانها تستيقظ من كابوس...
تسيطر الحمى على ذكرياتها اولا .. فتفور تلك وتمور من الماضي السحيق.. تتذكر يوم أصابتها حمى مشابهة لتلك دون أي مقدمات و لا مبررات طبية واضحة او خفية .. هي وحدها كانت تعرف السبب ..
كانت تكتم حباً فاض فصهر روحها و ثار على الجسد الضعيف يروم تصريحاً و إفصاحاً . .ولما لم يجد بياناً يفصح به، عربد في الجسد الضعيف حمى كاسحة.. يومها خافت أن تجري الحمى لسانها بما لا تستطيع معه إفصاحاً .. قاومت الإغماء و النوم و الغياب عن الوعي .. أو هكذا ظنت ساعتها .. كتمت حباً يفصح عن نفسه حمى .. و لما سمعت صوته يومها جرت دموعها دون صوت .. أججتها رنة القلق عليها في صوته .. ولما تحاملت على نفسها كاتمة الحمى و الحب سوياً لتذهب و تراه وسط الجمع المعتاد .. خذلتها عينيها .. فتوارت عنه معظم الوقت خلف نظارة سوداء .. و لما غابت الشمس .. انهارت قواها و فاضت دموعاً .. كفكفها بكلماته الرقيقة و لهفته البادية .. ولم تشف من تلك الحمى إلا يوم صرح لها بحبه من بين ارتعاشات صوت مرتبك و عيون زائغة من الخجل و اللهفة .. فصار النيل يومها محيط لا يحمل على صفحته سواهما...
لما تذكرت تلك الحمى .. اندهشت انها لم تصب بأي شيء حين مات الحب! هل كان الحب فيروساً تداعى له الجسد بالسهر و الحمى مقاومة و دفاعا عن القلب الغرير؟! ضحكت متعجبة من تلك التخاريف و لماذا تذكرتها الآن .. هل تشابهت عليها الحمى؟!
لا يمكن لتلك ان تشبه هذه بأي حال من الأحوال .. فاليوم لم يولد حب ولا مات .. فقط إنطفأ قنديل كانت تتجمع حول ضوؤه فراشات ملونة أحياناً .. و كثيرا بعوضات تلدغها لدغات مؤلمة .. كثيرا ماكانت تنير ذبالته جزء من احد جنبات الطريق .. ولكن ظلت بقية الطريق معتمة .. حاولت إذكاء جذوته .. و فشلت .. فانطفأ .. فمالها الحمى تغزو جسدها اليوم؟!
لمن تتصدى يا جسدي المثخن بالجراح؟ للجراح القديمة التي تستبيح الأيام نكأها .. أم لجراح جديدة مقبلة؟
تتذكر المقولة "جرح فوق جرح .. لا أدري أيهما أشد إيلاماً؟!*" فتفكر: حقأ أيهما أشد إيلاماً؟! الموت أم الحياة؟
تباً للحمى و تهريفها .. أين الحياة من راحة الموت؟ و أين نحن منها؟!
تميل بها الركوبة فتنتفض كأنها تستيقظ من كابوس .. و هل حقا استيقظت؟ إذا لما لا ترى صورة للطريق ولا للسيارات و لا للعابرين؟ مالهذا الظلام يمتد و يترامى و يبتلع كل نور؟! تميل الركوبة مرة أخرى .. ولكنها لا تنتفض هذه المرة...
----
* محمد المنسي قنديل