مؤخرًا رجعت أتعلم فرنساوي تاني.. انا فضلت أتعلمه 5 سنين في المدرسة، ولكن عمري ما عرفت أتكلمه زي الانجليزي ولا حبيته خالص وكنت باتعامل معاه على انه هم وهاينزاح لما الامتحان يخلص.
كنت باجيب درجات نهائية فيه، او بالكتير انقص نمرة او اتنين. ورغم حبي للغات وشطارتي في الانجليزي (من غير دروس ولا كورسات) وفي العربي (بعد دروس مع حد بيفهم.. الله يرحمه حيا كان أو ميتا) إلا ان الفرنساوي ده ما نزليش من زور ابدا!
ماكنتش باعرف أعوج لساني عشان أنطق كل الحروف الملخفنة دي اللي محتاجة دلع عشان تتنطق، وإشي تنطقه وانت مخنف، وإشي وانت مدور شفايفك.. دوشة كبيرة يا عم الحاج واحنا اتعودنا على الانجليزي "السِلِس الشيعبي" ده!
حط فوق مصيبة الدلع اللي عمري ما عرفت بيتجاب منين، ان بدأنا نتعلمه في أولى اعدادي على ايد راهبة، سيستر مارسيل.
أهو الفرنساوي وتصريفاته السبعتلاف ونطقه المايص وتدوير البق والآكسون والهري ده كله كوم، والست دي - الله يمسيها بالخير - كوم تاني خالص!
صوتها في العادي كان منخفض جدا، بالكاد تميز هي بتقول ايه. لكن لو فتحت في الصريخ، يا محمدي! طبعا على أيامي احنا كنا جيل منحل.. اصلنا كان ممكن نتكلم سوا لما السيستر تخرج من الفصل دقايق مثلا ولا حاجة، ودي كانت أكتر حاجة بتطير عقلها وتعصبها جدا.. جدا! طبعا، ماهي دي قمة الانحلال.. يعني ايه نقعد نتكلم في الفصل لو فضي ثواني؟! مسخرة!
كانت ترجع تسألنا بمنتهى الهدوء المرعب، وهي مثبتة عينيها علينا واحدة واحدة:
"مين الخروفة اللي اتكلمت وانا برة؟!"
اه، خروفة.. دي كانت شتمتها المشهورة..
وكل ده كوم، ولما تسمع واحدة فينا بتنطق غلط كوم تاني خالص!! كانت بتجيلها نوبات صريخ وهيستريا غير طبيعية لمجرد اننا نطقنا غلط.. ماعرفش مين أو ايه اللي أوعز لها ان الصريخ هايخلينا ننطق صح!
وقد كان.. الست درست لنا سنتين، أول سنتين في تعاملنا مع لغة جديدة، طلعنا منهم كارهين ام الفرنساوي على يومه الاسود!
وبعدها جالنا مدرس طيب وغلبان كده، وكان بيتكلم فرنساوي احسن من الفرنساويين شخصيًا.. بس كان بلا شخصية خالص فماغيرش من موقفنا -أو على الاقل موقفي أنا- شيء تجاه اللغة المسكينة دي.. وفضلت أنجح في الامتحان لكن بدون لغة... وعشت كل الوقت ده أفهم الفرنساوي مكتوب او منطوق، لكن انا شخصيا لا أكتبه ولا انطقه اطلاقاً... وكده كده ما احتجتوش تاني إلا في لحظات نادرة جدا، زي اني اسمع اغنية فرنساوي تشد انتباهي فالقط لي منها كام كلمة كده.. اتفرج على فيلم فرنساوي فمابقاش مقريفة من اللغة زي الأفلام الكوري او الياباني مثلا، لأني باحسها مألوفة.. أكتر من كده مافيش.
لما بدأت من تلات أيام بالظبط في كورس تعلم فرنساوي أونلاين كانت مفاجأة رهيبة بالنسبة لي اني "باعرف فرنساوي"
اكتشفت اني لسه فاكرة قواعد كتير.. جدا! ومعاني كلمات كتير جدا.. رغم ان الكلام ده حصل من 24 سنة على الاقل!!
إزاي قدرت سيستر مارسيل توصلّنا معلومات وتحفظنا معاني كلمات في وسط كل العصبية والصريخ ده، ماعنديش اي فكرة.. بس قدرت تعمل كده!
إزاي اصلا انا فاكرة الحاجات دي وانا اللي لو حد قاطعني في وسط كلامي بانسى انا كنت باقول ايه وليه.. برضه ماعنديش فكرة!
وعليه، من مكاني هذا، وبعد مرور كل الوقت ده، وبرغم كل التوتر والتشنج اللي عيشتنا فيه، انا باقول لسيستر مارسيل: شكرًا!
شكرا إنك كنتِ مصرّة تعلمينا وتعلمينا صح مش كروَتة.. يمكن طريقتك ما كانتش أفضل طريقة، ويمكن لو كنتِ غيرتيها كنت اتعلمت اكتر من كده واستفدت من معلوماتك وعلمك اكتر من كده.. لكن برضه كتر خيرك على تعبك معانا.. جه -لمفاجأتي- بفايدة!
*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#*#
النهاردة لقيت واحد كاتب بوست على الفيسبوك انه كان ماشي في جنازة وسمع واحدة، ماشية في الجنازة برضه، بتقول لصاحبتها عن شخص ما:
"ده انسان فاشل.. تصدقي انه عنده تلاتين سنة وماعندوش عربية؟!"
طبعا التعليقات نزلت شتيمة في البنت.. وانا دعيت لها ان ربنا يهديها ويهدينا لأني اعتبرتها فاقدة الأهلية اصلا ماينفعش الواحد ياخد على كلامها.
لكن الصورة اللي نطت في دماغي فورا بمجرد ما قريت الجملة دي؛ أبويا.
أبويا عاش ومات - 61 سنة - وماعندوش عربية! كان ممنوع من السواقة عشان مرضه، وهو كان ملتزم جدا بتعليمات الدكاترة.. وفضل طول الوقت يحلم بعربية لكن ما يقدرش يسوقها.. ولما فاض بيه وجاب عربية وسواق، السواق، الله يبارك له، سرقه!
فمشاه وباع العربية.
فضل مقضيها مواصلات وتاكسيات لحد ما المرض تمكن منه وبطل يخرج خالص لحد وفاته.
بعيدا عن ان العربية ما بتحددش نجاح شخص في حياته من عدمه.. مافيش اي ممتلكات ممكن تحدد ده إلا لو بنتكلم عن مستوى مالي فقط.. لكن الغريب اني من ساعة ما بقى عندي عربية وانا كل فترة كده تيجي في بالي صورة ابويا راكب جنبي العربية.
لما باشوف راجل كبير تحديدا بيحاول يعدي الطريق، وتحديدا طرق 6 اكتوبر اللي الناس بتعتبرها طرق سريعة ماعرفش ليه، ومش عارف يعدي، فورا باشوفه أبويا! واقعد أفكر:
هو احنا لو ماكناش جبنا عربية كان هايعمل ايه في الطريق لو كان بصحته نوعا وقادر يروح وييجي؟
طيب كان هيرضى يركب معايا؟ طيب كان هايبقى خايف عليا برضه وانا سايقة زي ماما كده؟
والافكار دي توديني لفكرة تانية أهم:
طيب مش كان يعيش شوية لحد ما اقدر أوديه وأجيبه وأفسحه شوية وينبسط ان بقى عندنا عربية بسواق مش هايسرقه ومش هايقوله لأ؟
وانا كنت هابقى كويسة معاه ولا كنت هاتعصب عليه لو طلب أوديه مشوار؟ ما هو انا مش باتعصب على ماما لما بتطلب نروح مكان سوا.. كنت هاتعصب عليه ليه يعني!! وآه، كان هايركب جنبي ومش هايخاف من سواقتي.. كان بيثق فيا!
ويا حلاوتنا بقى لما نطلع سوا احنا التلاتة اسكندرية ونقعد نلف.. كنت هاوديه كل الاماكن اللي بيحبها ويقعد يحكي لي ذكرياته فيها.. وكنت هاوديه اسكندرية في الشتا بقى.. كان بيحب اسكندرية في الشتا اوي ماعرفش ليه.. يمكن لو كنا رحناها سوا وانا كبيرة كنت هاحبها أكتر..
الله يرحمك يا بابا.. كان نفسي تكون عايش دلوقتي وكنت ريحتك شوية وحققت لك شوية حاجات نفسك فيها رغم صغرها وسهولتها لكن ماقدرتش تحققها لظروف كتير.. سامحني يا حبيبي، بس انت اللي استعجلت!
وعموما، أكيد انت دلوقتي مبسوط أكتر من اي حاجة انا كنت هاعملهالك.. ربنا يجمعني بيك في ظله...