إجمالاً، يمكنني القول أني أشعر بالامتنان تجاه هذا العام الموشك على الانتهاء - او انتهى فعلا مع قراءة هذه السطور.
كان عام الدروس لا منازع! كم الدروس التي تعلمتها عن نفسي و حدودي و امكاناتي و قدراتي و و و... كان مذهلا بحق!
تتلخص هذه الدروس في مفردات بسيطة التركيب، و لكنها استغرقتني برهة من الزمن لاكتشفها:
القوة
"أنا لست بالقوة التي أبدو بها..."
حاسمة، قاطعة، مباشرة، صريحة، ذات توجه، صلبة، متطرفة المشاعر.. أوصاف حقيقية لأبعاد الشخصية المسماة أنا.. كنت أحسبني ملكة الـ "أبيض و الأسود"، إلى هذه الدرجة من الحسم و القوة أرى ذاتي إلى حد كبير... و لكن!
اتضح لي اني لا أملك القوة لأكون أمّا Full time!
بالفطرة و دون طلب، أتحمل المسئولية تجاه الكثيرين في حياتي، معنوياً و فعلياً، تتحرك لدي مشاعر الحماية تلقائيا و لا يستلزم ذلك أن يكونوا أصغر/أضعف/أقل مني في أي شيء! شعور فطري بالحماية يفرض نفسه على تعاملي و نظرتي مع من أحبهم حقاً.. و لكني لا أستطيع أن ألعب هذا الدور بدوام كامل!
الدور تفرضه علينا ظروف الحياة مع الأصدقاء و الأهل و المعارف بدرجات متفاوتة، ألعبه بترحاب كبير و تلقائية أكبر تكاد تكون فطرية و يكفيني و يشبعني.. و لكني لا أملك من القوة ما يتيح لي أن ألعبه باستمرارية و تفانٍ 24/7. الكثير يتوقع منك العون و السند و النصح و التواجد و التحمل و الغفران و التضحية و التقبل و الحب غير المشروط و و و....
مفاجأتي، لنفسي قبل أن يكون لكم؛ أنا لست بهذه القوة!
أحتاج من أستند إليه، و من يعينني و من ينصحني و من يتحمل طباعي الصعبة و مزاجي الناري و صوتي العالي و انطلاقي في العالم و احجامي عن الناس... كل ما أمنحه بوعي او بدون، أنتظره في المقابل، بوعي او بدون.. هكذا بمنتهى التبسيط!
و احقاقا للحق، رزقت من القوة ما يتيح لي الاعتراف بضعفي، حتى لو ظن الآخرون أني أدعي او فشلوا في تصديقي.
أنا أمنح أكثر ما أحتاج إليه.. أكثر ما أفتقده.. أنا كسر لقاعدة "فاقد الشيء لا يعطيه"... لأني أفتقد الكثير من الوَنَس، أمنحه كلما استطعت إليه سبيلا، عساه يُرد إلي من حيث لا أحتسب.
منحي مشروط... بالصدق.. بالقبول.. بالحب... بالتقبل.. بالتواصل... بالوقت.. بالونس..
لا ترد يدي الممدودة إليك، منحا او طلبا، بصمت.لا ترد نظري الراني إليك، رجاءا منك أو حرصا عليك، بخوف.لا تقابل روحي، راجية الونس و الدفء، بشهوة.لا ترد وقتي، المهدى إليك، بالانشغال.لا تقابل نصيحتي، ممنوحة أو مطلوبة، برفض.لا ترد طلبي، بالمنح او العطاء، بكذب.لا تقابل قوتي، استقلالا عنك او جبرا لك، بضعف.لا ترد على ضعفي، بسببك او معك، بقوة.لا تقابل فرحي، صغر او كبر، بلا مبالاة.لا ترد على حزني، كبر او صغر، بحزن يفوقه.لا تقابل صدقي، معك او عنك، بادعاء و كذب.لا تتكبر على طفولتي، و لا تهزأ من نضجي.
لاقني في منتصف الطريق، و لنمشِ سويا.. هذا مقدار ما أملك من قوة، فلا تنتظر مني أن اقطع الرحلة، تجاهك، وحدي.
******
النضج
مازلت تلك الطفلة ذات الستة عشر عاما التي لا تعرف شيئا عن العالم، و إذ بها انفتحت عليها كل أبوابه دفعة واحدة، فجأة، في يوم من شهر يونيو بلا سابق إنذار، كموجة حارة هبت على البلاد فكدرت أحوال العباد.. لم تنقضِ موجتي الحارة حتى اليوم، و كانت السبب في نضج سابق لأوانه.. أعرف ذلك و أدركه كلما مررت بمواقف/أشخاص..
تركت مبكرا على لهب شعلة موقد الحياة.. أؤدي مع النار رقصة.. كحبة ذرة.. أتمنى لو أنضج لأصير حبة فيشار كبيرة مانحة للبهجة و الصحبة.. و أخاف الموت محترقة، منسية في قاع الطنجرة.. أجن من الوحدة و من انقضاء المصير إلى تحمل مزيد من حرارة في ذاك القاع وحدي حتى تبرد الطنجرة لأموت في سلام دون أحد يبكيني و دون أن أتم رسالتي بحمل البهجة.
******
الزمن
كنت قد اكتشفت ان لي دورة حياتية مدتها ثلاث سنوات، بين نقطة ارتطام بحضيض نفسي و أخرى تمر ثلاث سنوات.
اتسعت الرؤية، فاتضح ان الدورة تتواتر ما بين قاع و قمة، أبلغ قمما و انزل عنها كل ثلاث سنوات بتتابع يكاد يكون ذو دقة حسابية، هندسية.. تلك الأشياء التي أكرهها و كانت تبكيني كطفلة.
ما بين قمم و قيعان تدور سنواتي ثلاثا ثلاثا.. و ما أظنه اليوم قاعاً، سيتضح لي غدا انه قمة، و العكس. تعلمت الصبر - و ان كان ليس صبرا جميلا - على ما يتبدى كأنه قاعا، أو قمة.. فعما قليل سيظهر لي أصل معدنه.. تعلمت، بصعوبة، ألا أفرح بما أتاني وألا أاسى على ما فاتني.. ليس درءا للخيلاء و الفخر، و لكن استيعابا لدرس صعب.
******
الناس
يؤثرون في إلى درجة لا يمكنهم أن يدركوها، برغم شرحي لهذا الأثر، كلاما و فعلا.. سواء أكان أثر طيبا او خبيثا... لا يستوعب الناس ان تكون قويا و حساسا في ذات الوقت... كما لو أن القوة لا تتسق مع الحساسية!
أكرمني الله بثلة من ناس، مانحين.. عطاؤهم تلقائي فطري... مجرد وجودهم في الحياة يمنحني الونس الذي أفتقده.. بابتسامة، بمكالمة، بتذكار، بكلمة، بصورة، بوقت منحوه لي طواعية دون طلب في أشد أوقاتهم ازدحاما، بصحبة، بدعاء، بنصيحة، باسمتاعهم لي بصبر دون تذمر، و حتى بالمال.. و منهم من تقابلنا دقائق معدودات أو لم نتقابل حتى الآن!
منحوني من وجودهم فأثروا وجودي.. برغم احجامي عن الناس، وجودهم يمنحني دفئا و ثقة في الناس..
بهؤلاء يكمن امتناني للعام! بهؤلاء، استطعت أن أكمل العام بكل ما مررت به فيه من قيعان و قمم..أنقذوا حياتي بوجودهم في حياتي..
قد لا يدركون عظيم أثرهم، برغم أني أخبرهم من آن لآخر... هم كشموس صغيرة ينيرون الحياة و يمنحونها الدفء و الأمان و النور.. أظل دوما في انتظارهم، في انتظار شمس أرواحهم تشرق على برد روحي فتمنحها روحاً جديدة قادرة بدورها على المنح.
و امتحنني الله بقلة من ناس، كالثقوب السوداء.. يمتصون كل ما يمر بجوارهم حتى الطاقة... تضيع بداخلهم كل محاولات الحياة للحياة.. مستهلكين لكل شيء حتى ذواتهم يستهلكونها حتى تنضب.. لا يملكون أي شيء ليمنحوه.. و كلما منحتهم شيئا ابتلعوه و قالوا هل من مزيد.. هَلِكت محاولة اكتساب الرضى... خرجت عن طبعي لتلبية احتياحاتهم.. لأني حسبت لدي من القوة ما يمكنني من مجاراتهم.. و منحهم الأمان و الثقة.
لهؤلاء امتناني لفتح عينيّ على الحقيقة.. هناك أناس تستعصي مساعدتهم مهما حاولت.. دعهم في أحوالهم يتقلبون، لا تحاول الاقتراب حتى لا تخسرهم و تخسر روحك معهم
******
الحب
يحتاج لقوة لا تنضب و صبر لا يُرهق، و أنا لا أملك من الاثنين إلا قليلا و بالكاد يكفيني... مازال أمامي الكثير من الـ "شفاء" و المزيد من النضج حتى أصل لهذا القدر من القوة و الصبر.. أملك من الحب ما يكفي للقيام بدور الأم السابق ذكره كـ Part time!
ولا أملك له أي قدر من الحرية يتيح لي لعب دور الحبيبة. كانت هذه إحدي مفاجآت هذه الدورة الثلاثية من حياتي.. أنا لا أملك من الحرية ما أستطيع ان أسقي به شجرة حب لتنمو مكتملة و صحيحة لتزهر و تثمر.. قيودي بداخلي.. لم أستطع تكسيرها برغم ما مُنحته من حرية خارجية و استقلالية و انطلاق.. أدرك الآن قصوري في تحقيق تلك الحرية داخلي.. مايزال طوطم الخوف من الفشل قائما داخلي يحول بيني و بين النجاح في الحب.. ما يزال العقل/الضمير يمنعني من الاستغراق في حالة حب بكاملي دون حسابات و تفكير و أفكار في عواقب و نتائج ذلك الحب.
فبمجرد إطلالة ذلك الجني من طرف القمقم مُلأ الكثيرون رعبا و ولوا منه فراراً.. من فر لساتر من الحجج، و آخر رمي ذنوبه عليه، و آخر أسقط عيوبه عليه و فر، و من أراد تكبيله من جديد لأنه لا يقوى عليه، فزاده -طبعا- رَهَقا!
أدرك بكامل وعيي أن كل هذا مشروط بـ الرجل الصحيح... ذلك الـ "الواحد الصحيح" الذي سيَجبُر كسوري..يعلمني عن نفسي ما استعصى علي تعلمه بنفسي.. يعرف أني بسيطة و متشابكة، كالحياة، أحتاج الصبر و القوة و حب متبادل لكي تنفك اشتباكاتي.. لا تفزعه صراحتي و لا ينتظرها بل يبادئني إليها.. لا يخاف قوتي، بل يدرك أنها من أجله و لأجل انتظاره.. لا يقلقه ضعفي و يعرف أنه لأجله و بسبب انتظاره.. يمنح دون طلب فيسبق أي أمنيات.. يحبو يصدق في ذلك الحب، فتحمل التفاصيل ذلك الحب دون جهد و بحث.. يدرك الروح المحبوسة داخلي و يملك من القوة ما يتيح له أن يطلقها و يتعامل مع الجني الخارج توا من القمقم ببساطة و تلقائية دون فزع و لا رغبة في "قمقمته" من جديد..يرى الطفلة و الأم و الصديقة و الحبيبة و الأخت في كل الأوقات بنفس العين و يعرف عن ظهر القلب ان كلهن حاضرات في نفس اللحظة فيمكنه استيعاب خليط الخوف و القلق و الاستسلام و الضجة و الدلال و الغضب و التمنع و الغيرة و التحبب و النديّة و المحبة و المقاومة و الانصهار فيه و الاستقلال عنه في نفس الكأس.. تلك الكأس التي شَرْبَتَها لا يظمأ أحدنا بعدها إلا لمزيد منها...
*****
الصبر... و جميع ما سبق
أملك منه/م أكثر مما كنت أظن، و أقل مما يتيح لي الحياة في سلام على الأرض... مازلت أحتاج للكثير.....
*****
خاتمة:
لكل من تسبب ضعفي و قلة حيلتي و خوفي و حيرتي و قلة صبري و قيودي و ارتباط منحي بشروط محبتي في أذاه،سامحني..
قد آذيتني حين اقتحمت حياتي و افترضت دورا فيها وانت لا قبل لك بها.. و أنا أسامحك..
و اني أسأل الله لي و لك الغفران.. و أن يمنحنا من البصيرة و الحكمة ما ندرك به ضعفنا و ذنبنا و لا نرمي بهم الآخرين، و أن يمنحنا من القوة و العلم ما ندرك به ما فاتنا من قصور و نقص.. و يرزقنا قلبا لا يحمل إلا خيرا و صبرا و تقبلا للغير.
*****
شكرا يا رب.. أتمنى أكون باتعلم الدرس صح...
شكرا لكل شخص مر في حياتي و مشي معايا او كمل في طريق منفصل.. اتعلمت منك حاجة، حلوة او وحشة، لكن الأكيد انها بتساعدني أبقى إنسانة أحسن.. و اتمنى تسامحني لو كان اللي علمته لك مش حلو زي ما كان نفسي.
شكرا 2013 على كل شيء... ممتنة جدا للشعور بالرضى اللي سايباه لي.
No comments:
Post a Comment