عشوائية

أتساءل: ما الذي تفعله امرأة تشعر انها بالصدفة، بالصدفة المحضة، بقيت على قيد الحياة؟ كيف تسلك في الدنيا إن كان وجودها، كل السنين والشهور والأيام واللحظات الحلوة والمُرّة التي عاشتها، فضلَة حركة عشوائية لقدر غريب؟ كيف تسلك في الدنيا؟"


د. رضوى عاشور

Monday, August 17, 2015

لأن بعض الأحلام تستعصي على الموت

اليوم كنت أمر بالمتجر متعدد الأقسام.. تفقدت الملابس والأحذية.. 
وتفقدت قطع الأثاث القليلة المعروضة.. رديئة الجودة فعلا! 
أما السلع الاسهلاكية المدعوة "معمرة" فهي بلا شك قادرة على ان "تخرب" العامر.. الأسعار مرعبة.. وأحجام الثلاجات أشعرتني بالضآلة.. والتلفزيونات كادت تصيبني بالجنون من كثرة الكماليات واتساع حجم البوصات.. يبدو أنهم في القريب العاجل سيقدموا التلفزيونات بوحدة الفرسخ!! وأجهزة أخرى عجيبة لم ادر لها وظيفة ولم أكن على استعداد لتفقد ماهيتها.. 

سرت في المتجر كقروي هبط للمدينة لأول مرة.. مع انها بالتأكيد ليست مرت الأولى في هذا المتجر او أشباهه.. ولكني كنت أسير بلا هدف أتفقد الأسعار والأشكال والأحجام المختلفة لكافة المعروضات.. والنتيجة اني رحت اتضائل حتى كدت أخرج من المتجر قزمة بعد أن دخلته متوسطة الطول..

استكملت مسيري في المتجر بلا هدف وانا أفكر.. هل هذا هو الغرض من هذه المتاجر؟ ان تشعرك بضآلتك؟ أو على أحسن تقدير، تشعرك بضآلة دخلك! 

هل فكرت في الاستقلال عن عائلتك؟ جميل.. 
اشتريت شقة صغيرة؟؟ فعلا؟!! مبروك..
هل بدأت في "تشطيبها"؟ ليس بعد؟... ممم
وماذا عن الأجهزة؟ الأرضيات؟ طقم الحمام؟ السجاد؟ الستائر؟ المطبخ؟ 
لا؟ ولا أي منها؟! لماذا؟ آه.. مازلت تسدد ثمن الشقة.. طيب.. بالتوفيق!

هكذا يدور الحوار بيني وبين المعروضات.. أو هكذا اسمعها بعين خيالي، وأحاول ألا تقع عين واقعي على رقعة السعر على كل سلعة.. ولا أستطيع أن أمنع نفسي لأني، وان كان مسيري في المتجر بلا هدف، إلا أني أود أن اضع تصورا لميزانية ما.. تصور قيمة دخلي الشرائية، والتي أعلم تمام العلم أنها ضعيفة جدا.. ولكن ما بيد "مدمن التفكير" حيلة.. 

أدور وتدور برأسي فكرة الشقة الصغيرة.. وميزانيتها.. ودخلي.. وحلمي بذلك البيت الصغير الذي صار لي أكثر من 10 سنوات أحلم به.. وأكثر من ثلاثة سنوات وانا أحاول تدبير ميزانية ما له.. 

حلمي هو وكابدت كثير من الحرمان والاستدانة لتحقيقه.. حلمي هو ولا أرى ان من الطبيعي ان يحلم الانسان "ببيت" ثم يجد مثل هذا الحلم يستعصي على التحقيق لهذه الدرجة.. قد تطول المدة او يواجه المرء بصعوبات.. لكنه ليس حلما غير مشروع! وقد تجاوزت خطوة أو اثنتين في سبيل تحقيقه.. هل أتراجع الآن؟

هل أتنازل الآن؟ هل أترك حلمي للموت؟

في أثناء مسيري قررت المرور من الممر الخاص بلعب الأطفال، لعلي أجد ما يناسب بنات صديقتي لأهاديهن به.. ثم وجدتني أتوقف مطولا - بلا وعي - أمام أرفف العروسة باربي.. تلك التي عملت طوال عام دراسي كامل بكل جد وكد، لأفوز بها هدية نجاح في آخر العام.. كان عمري سبع او ثمان سنوات.. 

لم اتوقف أمام العروسة ذاتها.. ولكن، تلك السيارة زهرية اللون التي حلمت باقتنائها مع سائر مكملات المعيشة الخاصة بالعروسة من بيت وملابس وزوج وابنة واصدقاء.. 

في تلك الأعوام كان ذلك حلم بعيد المنال، بنجاح أو بدونه، لأن حتى عقلي الطفل، غير القادر على استيعاب حساب العملة والقدرة الشرائية، ولا فهم معنى مفاهيم كـ"دخل، فلوس، مرتب، سعر"، لم يستسغ شراء "لعبة" بهذا المبلغ الفادح.. لم أستطع استيعاب الرقم في ذلك الوقت، لابد إذا ان يكون فادحا مادام عصيا على الاستيعاب! وظلت لسنوات أمر بالمتجر المتخصص في بيع باربي ومستلزماتها، وأتوقف لمتابعة الأسعار والموديلات الجديدة من ملابسها والتطورات التي طرأت عليها من أذرع أو أرجل قابلة للثني وخلافه.. ولكن تلك السيارة تحديدا بدت بعيدة بعيدة.. 

واليوم.. توقفت تلك الفتاة ذات السبع، ثمان، تسع، سنوات.. في جسد تلك ذات الخمس وثلاثين، تتأمل تلك السيارة - دون سعرها - لأني الآن قادرة على شرائها ببساطة.. بجرة بطاقة... ولكني لا أريد.. هكذا، ببساطة!

ولكن لم استطع منع تلك الابتسامة التي ملأت وجهي، مع تذكري لذلك الحلم البعيد.. والذي صار الآن على بعد "جرة بطاقة" لو - فقط - أردت.

ابتسمت لأني فكرت أن بعض الأحلام - حقا - يستعصي على الموت.. نصر عليه فنحققه، طال الوقت أم قصر، أو يبقى هناك ليذكرنا بمرحلة ما... بطفولة ما.. وأن ما كان عسيرا حد الاستحالة يوماً، قد يصير على بُعد بضعة أيام، أو حتى جرة بطاقة.

  

No comments: